كاد العالم أن ينسى جيفري إبستين منذ ظهرت فضائحه عام 2019 لولا عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ورغبة الصحافيين بإخراج الهياكل العظمية من الخزائن المغلقة لإثبات تورط الرئيس ، مع كثيرين من الزعماء والمتنفذين ، في الفضائح الجنسية وإستغلال القاصرات ، مما أدى إلى تسليط الضوء على أدوار مخابرات أجنبية في الموضوع وأشارت أصابع الإتهام إلى “الموساد” كالعادة . ولكن ، هناك شخصية أخرى لم يعرها العالم إهتماماً ومرت مرور الكرام رغم فضائحيتها المقززة وهذه الشخصية هي لرجل الأعمال الأمريكي اللبناني الأصل جورج نادر فأين وجه الشبه بين الشخصيتين ؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من إستعراض تاريخ موجز لكل منهما يبين مسارهم وعلاقاتهم المعلنة وغير المعلنة وإرتباطاتهم الدولية؛
جيفري إبستين
ألقي عليه القبض في 6 يوليو 2019، بتهم تتعلق بالاتجار الجنسي بالقاصرين ووُجد ميتًا في زنزانته في 10 أغسطس 2019 (بفارق شهر تقريباً)، وخلص تقرير الطب الشرعي إلى أن الوفاة كانت نتيجة الإنتحار شنقًا داخل زنزانته (مع وجود زميل له في الزنزانة وكاميرات لم تعمل ليلتها وغياب الحراس عن عملهم!!!) وبسبب وفاته، أُسقطت جميع التهم الجنائية بحقه في 29 أغسطس 2019 (أي إنتهى التحقيق وتم دفنه) وإستمتع كافة المتنفذين والأمراء ورجال الأعمال والسياسيين الذين كانوا جزءاً من شبكته بالنوم الطويل ، وبرزت الروايات التي تثبت تورط الموساد في عملية مقتله.
إبستين كان على علاقة طويلة الأمد مع صديقته غيسلين ماكسويل، ، التي أُدينت عام 2021 بتهم الاتجار الجنسي والتآمر لاستدراج فتيات قاصرات بهدف الاعتداء الجنسي والدعارة وهي ابنة النائب البريطاني السابق إيان روبرت ماكسويل ، يهودي تشيكي الأصل اسمه الأصلي يان لوفيك هوخ، رجل أعمال له باع طويل في أعمال الصحافة والنشر على مستوى العالم.
روبرت ماكسويل صهيوني متعصب كان من الداعمين المبدأيين لدولة “إسرائيل” وقدم خدمات كثيرة للكيان منها نجاحه باستصدار 300 ألف تأشيرة خروج ليهود كانت إسرائيل تسعى جاهدة لإخراجهم من الاتحاد السوفيتي مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، ساهم بإختطاف مردخاي فعنونو وإعادته قسراً إلى “إسرائيل” لمحاكمته ، وهو أحد العاملين في مفاعل ديمونة والذي كشف عن وجود مائتي قنبلة نووية لدى “إسرائيل”، ، وإنتهت حياته بعد أن تورط قبل وفاته مباشرة في قضية تجسس وتجارة سلاح سرية لإسرائيل حيث عثر على جثته طافية قرب جزر الكناري في 5 نوفمبر 1991 بعد أن اختفى من على متن يخته الخاص . دُفن لاحقًا في القدس تقديراً لخدماته وحسب رغبته ، كما دفنت معه تفاصيل قضية التجسس وتجارة السلاح والأسرار الأخرى ، وهناك روايات تثبت تورط جهاز الموساد الإسرائيلي في ترتيب عملية مقتله.
جيفري إبستين مدرس رياضيات مغمور في مدرسة ثانوية فكيف أصبح يملك جزيرة خاصة به وطائرة خاصة وأسطول من السيارات الفارهة ؟ وكيف إستطاع الوصول إلى إبنة روبرت ماكسويل التي لن تنظر إليه في ظروف مغايرة ؟ وكيف تعرف على ملوك وأمراء ورؤساء ومتنفذين ؟ أليست الشبكة واحدة عندما ننظر إلى كيفية صعود روبرت ماكسويل نفسه من مهاجر فقير إلى ميلياردير وناشر ومالك لمجموعة صحف عالمية ثم قتيل في ظروف غامضة؟
جورج نادر
أما الطرف الثاني من المعادلة فهو جورج نادر من مواليد عام 1959 في لبنان، أمريكي الجنسية لبناني الأصل ورجل أعمال (لا أحد يعلم ما هي الأعمال) ومجرم جنس مُدان ، يحمل الجنسيات اللبنانية والأمريكية والإماراتية (القانون الإماراتي لا يسمح بإزدواجية الجنسية ولكنه في هذه الحالة يسمح بثلاثية الجنسية !!!!).
بين الأعوام 1981 – 2002 أسس مجلة أسرار الشرق الأوسط (Middle East Insight) وتولى فيها منصب رئيس التحرير إلى أن توقفت المجلة عن الصدور في أواخر عام 2002 ، أي أنه أسس مجلة عالمية ذات أسرار لأعقد منطقة في العالم عبر التاريخ عندما كان عمره 22 سنة فقط !!!! وأغلق المجلة قبل الغزو الأمريكي للعراق مباشرة لينتقل للشرق الأوسط ، يا محاسن الصدف.
غادر جورج نادر واشنطن عقب إغلاق مجلته ليقضى معظم وقته في الشرق الأوسط حيث “تطوع” مع السياسيين الأمريكيين ليكون بمثابة «دبلوماسي الظل» الذي يربطهم بمسؤولي الشرق الأوسط، وليعمل كحلقة اتصال غير رسمية بين سياسيي واشنطن ومسؤولي الشرق الأوسط، ومن بين ما يشار إليه كإنجازات في مجال العلاقات الدولية والسياسة يمكن الإشارة إلى النقاط التالية ؛
- خلال إدارة جورج بوش الأب (1989-1993)، ساعد في تحرير الرهائن الأميركيين في لبنان بعد قضية إيران – كونترا.
- أثناء إدارة كلينتون (1993-2001)، حاول نادر وبدون جدوى التوسط في اتفاق سلام إسرائيلي سوري.
- عمل كمستشار لولي العهد في حينه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في دولة الإمارات العربية المتحدة
- عمل كمستشار لمؤسس شركة بلاك ووتر الأمنية، إريك برنس، الذي وظفه للمساعدة في التعاقد مع الحكومة العراقية بعد الغزو ، وشهد برنس لاحقاً بأنه «مستشار لتطوير الأعمال».
- عمل كمبعوث يمثل ولي عهد المملكة العربية السعودية وحاكم الأمر الواقع الأمير محمد بن سلمان آل سعود.
- كان يجتمع بإستمرار مع إريك برنس مؤسس شركة بلاكووتر سيئة الصيت وجويل زامل، وهو متخصص إسرائيلي في التلاعب بالوسائط الاجتماعية (يعني موساد غير معلن).
- إجتمع نادر في ديسمبر 2016 في نيويورك مع مسؤولي دولة الإمارات العربية المتحدة وزملاء الرئيس المنتخب دونالد ترامب ؛ جاريد كوشنر ومايكل فلين وستيف بانون.
- في يناير 2017، حضر اجتماع في جزر سيشيل بين الإماراتيين وإريك برنس، وكان موجوداً عندما التقى برنس مع مسؤولين من الإمارات العربية المتحدة وكريل ديمترييف ، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي تديره الدولة.
- في عام 2017، قام نادر بتمويل مؤتمر ينتقد قطرلإستضافتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ، وكان جورج نادر وممول جمهوري آخر يدفعان البيت الأبيض لإقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي رأى السعوديون والإماراتيون أنه غير قاس على إيران وقطر بما فيه الكفاية ، وتمت إقالته.
- في يناير 2018 تم استَجوابه فيما يتعلق بالشكوك بأن الإمارات العربية المتحدة متورطة في التدخل بحملة الرئيس ترامب 2016 ولمعرفة فيما إذا كانت الإمارات قد حاولت التأثير على حملة الرئيس ترامب وإنتهى التحقيق بحصول نادر على حصانة مقابل تقديم معلوماته للتحقيق ودفنت نتيجة التحقيق.
- في يناير 2022، وافق «نادر» على الاعتراف بالذنب بتهمة واحدة من جناية التآمر للاحتيال على الحكومة الأمريكية وذلك بضخ أموال لحملة انتخابية وإخفاء أصلها الأجنبي الذي لم يعرف وحكم على نادر بالسجن خمس سنوات إضافية
لم تكن هذه هي الإنجازات التاريخية الوحيدة لجورج نادر فقد أبدع أيضاً في الإنحرافات الجنسية وإستغلال القاصرين وسبق ووجهت إليه عدة تهم بارتكاب جرائم تتعلق بالاستغلال الجنسي للقُصَّر، وأُدين بالعديد منها. - في عام 1985، تم اسقاط تهمة استلام مجلات وفيديوهات من هولندا تظهر أولاد أصغر من سن الرشد وهم يمارسون أعمال جنسية، وذلك بسبب أمر تفتيش مخالف.
- عام 1991 حكمت عليه محكمة اتحادية في فرجينيا بالسجن لمدة ستة أشهر بتهمة ارتكاب جناية تتمثل في نقل أشرطة فيديو إباحية لأولاد تبلغ أعمارهم قرابة 13 أو 14 عامًا. وافق المدعون على وضع القضية تحت السرية «بسبب الطبيعة الحساسة للغاية لعمله في الشرق الأوسط».
- في عام 2000 تم اتهامه بنقل طفل تشيكي من أوروبا إلى منزله في واشنطن لأهداف جنسية.
- في عام 2003، أدين في براغ بجمهورية التشيك بتهمة الاعتداء الجنسي على 10 أولاد وقضى عاما في السجن وكانت الجرائم قد وقعت بين عامي 1999 و 2002.
- في عام 2018 إعتقل في مطار كينيدي – نيويورك لدى هبوطه من رحلته من دبي وتم تفتيش هاتفه وعثر فيه على أفلام لممارسات جنسية مع قاصرين ويشتبه أن الإعتقال تم بناء على إخبارية !!! وأطلق سراحه بعدها بالكفالة.
- في عام 2019 تم اعتقاله في ولاية فرجينيا للمرة الثانية لحيازته على أشرطة فيديو إباحية لأطفال ونقلها ، ومن ثم الحكم عليه في حزيران 2020 بالسجن لمدة عشر سنوات لينتهي تاريخه بعد أن أدى مهمته خير قيام.
إذن هناك نموذج متكرر لشخص نكرة صاجب ميول منحرفة يبرز فجأة ويصبح من أصحاب الملايين ويتقرب من ملوك وأمراء ورؤساء دول ويكسب حظوتهم بقدرة قادر ثم يختفي لسبب أو لآخر وتختفي معه موبقاته من السجلات العامة ولا تختفي من سجلات من يمكن أن يستفيد منها بالإبتزاز والتهديد ، والقاسم المشترك الأعظم بين كل ذلك هو الإستخبارات العالمية “الموساد ومن لف لفيفهم غالباً” الذي يديرون لعبة كهذه.
لا يقبل العقل أن تكون الصدفة فقط هي التي جمعت بين هذين المثالين ، كما لا يقبل العقل أن يصبح شخص موبوء مستشاراً لأقوى شخصيتين عربيتين دون أن يكلف أحد نفسه بالبحث في ماضيه ، إلا إذا كان ماض كهذا يتلائم مع رغبات آخرين أو تم تزوير الماضي ليحقق اهدافه !!!
تاريخ أسود من الشذوذ ورجل أعمال لا يملك الوقت للقيام بعمل منتج في خضم سفره وتنقلاته وإجتماعاته مع رؤساء دول وممثليهم وجميع الإشارات تدل على أنه صنيعة مخابراتية وفي أحسن الأحوال شخص منحرف فقط ، ومع ذلك يحصل على ثقة من يتحكمون في مصائر الشعوب ويصبح واحداً منهم ، ولأنني لا أملك سوى التعليق على هذا الموضوع أقول؛ الحمدلله أن الأسرار في حرز حريز ، وأن المقابر لا تحتاج إلى ضيوف جدد يتجرؤون على كشف المستور ، وحفاظاً على السلامة يجب أن ندفن الأسرار معاً بدلاً من أن ندفن أحبائنا .