خطة ترامب نتنياهو لاستمرار الحرب
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
تضمن المؤتمر الصحفي المشترك للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، اعادة ترتيب للبرنامج السياسي للحرب وليس إطارا لوقفها، وترتيب البرنامج السياسي الجديد للحرب يستدعي التخلي عن مشروع التهجير الذي فشل فشلا ذريعا من جهة، و استفز دولتين اقليميتين هما مصر والأردن من جهة مقابلة، و استدعى سحب مشروع التوسع الإقليمي لكيان الاحتلال تحت عنوان إسرائيل الكبرى الذي وجد أول ترجمة له في العدوان على قطر، ووضع هدفا له باعادة تكوين الحلف الأميركي العربي الإسلامي من جهة، والحلف الأميركي الإسرائيلي من جهة موازية، لتحقيق هدف مشترك هو التخلص من قوى المقاومة، وتقاسم السلطة على غزة بصورة تجعل الإسرائيلي مسؤولا عن الأمن، والجانب العربي الإسلامي مسؤولا عن الاعمار وتكوين قوى سياسية فلسطينية لا تسبب ازعاجا لإسرائيل، على أن تتولى واشنطن ادارة الصورة الإجمالية، على قاعدة وضع دفتر شروط تشترك فيه إسرائيل تعاد صياغة هيكلية وبرامج السلطة الفلسطينية على أساسه، وبالتوازي كلام انشائي عن الدولة الفلسطينية مع تغييب أي اعتراف واضح بأن هناك قضية فلسطينية تتمثل بحق الفلسطينيين بأرضهم وبناء دولتهم فوقها وفق مفهوم واضح للحدود والسيادة، وبغياب الهدف الوطني الفلسطيني وإسقاط السلاح، يصبح المشروع مقايضة البقاء على الأرض وحق العيش مقابل التخلي عن الحقوق الوطنية.
اعادة ترتيب البرنامج السياسي الأميركي الإسرائيلي بقدر ما هي محاولة لإضعاف قوى المقاومة ووضعها وجها لوجه أمام النظام العربي الإسلامي، فهي اعتراف بالفشل في تحقيق أهداف الحرب التي كانت معلنة من جانب الائتلاف الحكومي للاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو، وهي التهجير والاحتلال والعودة الى الاستيطان، واعتراف بأن الأهداف البعيدة التي توهم نتنياهو القدرة على تحقيقها تحت عنوان تغيير الشرق الأوسط والعودة إلى حلم اسرائيل الكبرى، فوق طاقة اسرائيل، وفوق طاقة أميركا على توفير الدعم لها ومنحها فرص التحقق، والاعتراف بالحاجة إلى حصر أهداف الحرب بالتخلص من التهديد الذي يمثله بقاء المقاومة، وتوظيف الاعتراف بالفشل في مشروع التهجير والاحتلال والاستيطان في غزة من جهة، والعجز عن امتلاك قوة كافية للسير بالرؤية التوسعة للكيان في الجغرافيا الاقليمية، لإعادة ترميم الحلف الذي تقوده أميركا في المنطقة، والذي يضم ميمنة اسرائيلية وميسرة اسلامية عربية، حيث تتعهد الدول العربية الاسلامية بتولي أمر المقاومة كما ورد في كلام ترامب، ومعادلتها مع المقاومة مقايضة وقف الحرب والتهجير والاعمار بالسلاح والتسليم بالعجز العربي الإسلامي عن توفير الغطاء لانتزاع بعض الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها اقامة الدولة الفلسطينية ليحل مكانه نظام انتداب اميركي عبر ما سمي بمجلس السلام برئاسة ترامب.
في جوهر المشروع شيء من استنساخ منقح لنموذج وقف الحرب على لبنان، مع الاستفادة من الفراق والتجربة لصالح تحقيق مزيد من المكاسب للاحتلال، حيث نحن أمام وضوح أكثر لنزع السلاح كاولوية، وبالمقابل تشريع بقاء الاحتلال ومرحلة الانسحاب وفق تدرج يرتبط بالتحقق من نزع السلاح، وهو ما لا يمكن امتلاك أدوات حاسمة فيه، بحيث يستطيع الاحتلال القول في اي وقت ان المهمة لم تنجز، ولذلك فإن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة في الانسحاب لن يتم، والحكم هو ترامب، الذي سوف يفعل ما يفعله المبعوث الرئاسي الأميركي توماس باراك في لبنان، وتستمر الحرب على وتيرة مختلفة تحت شعار التخلص من التهديد، وتشبه غزة هنا حال جنوب لبنان، لفتح مسارات التساؤل حول الضفة الغربية، مع تجميد برامج الضم، وفي الجوهر رهان على اعادة تكوين سلطة فلسطينية في الكنف الأميركي كما حدث في لبنان، وهي سلطة محكومة بين ثنائية قبول دور شبيه بدولة سعد حداد وانطوان لحد في الشريط الحدودي المحتل في جنوب لبنان قبل التحرير عام 2000، أو التمسك تحت ضغط الشارع الفلسطيني ووقائع العدوانية الاسرائيلية، كما حدث مع لبنان.
كيفية تعامل فصائل المقاومة الفلسطينية مع هذه الخطة، ليست أمرا سهلا، خصوصا بالنسبة لحركة حماس، بعدما أعلنت حركة الجهاد الاسلامي اعتبار الخطة اطارا لتحقيق أهداف عجز الاحتلال عن تحقيقها عبر الحرب، وبعدما خرج بيان الدول العربية والاسلامية يرحب بالمبادرة لكنه يركز في الفقرة الأخيرة على ما تجاهلته المبادرة حول قيام الدولة الفلسطينية وربط مصير الضفة الغربية وقطاع غزة، وربما تجد المقاومة أنها مضطرة لقبول المبادرة بذات طريقة قبول نتنياهو لها، بحيث ينفذ بندي وقف الحرب وتبادل الأسرى، والرهان على ما سيحدث على الطرف الآخر من الحرب، وعلى ما يمكن من رفع سقف الموقف العربي الإسلامي المنخفض جدا، وربما تسلك المقاومة هذا الطريق كي لا تمنح نتنياهو فرصة مواصلة الحرب وتحميل المقاومة مسؤولية ذلك، وهو يحوز دعما اميركيا ومع اميركا اوروبا والدول العربية والإسلامية التي شاركت بمؤتمر حل الدولتين.