قصة معبرة لن يفهمها الجولاني
الثورة مع المال لصوصية والثورة بلا وعي إرهاب
حين قررت الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض مع قوى الثورة الفيتنامية، طلبت منها أن تُرسل وفداً إلى باريس لبحث وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب. كان ذلك في وقتٍ سبق أن أوقع فيه الثوار الفيتناميون خسائر فادحة بالقوات الأمريكية، بل وتجاوز الأمر في بعض الحالات إلى إساءة معاملتهم.
استجاب الفيتناميون، فأوفدوا وفداً مكوّناً من أربعة أشخاص: رجلين وامرأتين. وقد رتّبت أجهزة الاستخبارات الأمريكية لهذا الوفد إقامةً في أحد أفخم فنادق باريس، مع توفير جميع وسائل الراحة والترفيه الممكنة. وعند وصول الوفد إلى المطار، كانت السيارات الفاخرة بانتظارهم لنقلهم إلى مكان الإقامة، غير أن أعضاء الوفد رفضوا الصعود وأعلنوا أنهم سيغادرون المطار بطريقتهم الخاصة، على أن يحضروا الاجتماع التفاوضي في الموعد المحدد.
أثار موقفهم استغراب الأمريكيين، فسألوا رئيس الوفد: «وأين ستقيمون إذن؟» فأجاب: «سنقيم في بيت أحد الطلاب الفيتناميين في ضواحي باريس.» فردّ الممثل الأمريكي بدهشة: «لكننا أعددنا لكم إقامة فاخرة ومريحة للغاية!» فابتسم رئيس الوفد قائلاً: «لقد كنا نقاتلكم ونحن نعيش في الجبال، ننام على الصخور ونتغذى من النباتات. فإذا غيّرنا أسلوب حياتنا اليوم، نخشى أن يتغيّر معنا ضميرنا أيضاً. دعونا وشأننا.»
وبالفعل أقام الوفد في منزل الطالب الفيتنامي، ثم شارك في مفاوضات انتهت بانسحاب كامل للقوات الأمريكية المحتلة من فيتنام. وعند لقاء الوفدين في المطار، مدّ الممثل الأمريكي يده للمصافحة، لكن أعضاء الوفد الفيتنامي رفضوا، وقال كبيرهم: «ما زلنا أعداء. شعبنا لم يأذن لنا بأن نصافحكم.» ثم أضاف: «من يبيع ضميره، يبيع وطنه أيضاً.»
وفي سبعينيات القرن الماضي، زار الجنرال فو نغوين جياب، أحد قادة المقاومة الفيتنامية، إحدى العواصم العربية حيث كانت فصائل فلسطينية معينة متمركزة في تلك الدولة وتعيش برفاهية عكس الشعب الفلسطيني المقاوم وفصائله المقاتلة والمقاومة وهناك فوجىء بمظاهر الرفاهية والبذخ التي يعيشها قادة تلك الفصائل: سيارات ألمانية فارهة، سجائر كوبية، بدلات إيطالية باهظة، وعطور فرنسية فاخرة. قارن ذلك بحياته وحياة رفاقه القاسية في غابات فيتنام، فلم يتردّد في أن يقول لهم بصراحة: «ثورتكم لن تنتصر بكم»
وعندما سألوه عن السبب، أجاب: «لأن الثورة والثراء لا يجتمعان. الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول إلى إرهاب. والثورة التي يغمرها المال بلا حساب يتحول قادتها إلى لصوص.» ثم تابع قائلاً: «إذا رأيتم من يسمّي نفسه ثائراً وهو يقيم في قصر أو فيلا فاخرة، يتناول أشهى الأطعمة ويعيش في ترف كامل، بينما شعبه يسكن المخيمات ويعتمد على المساعدات الدولية للبقاء، فاعلموا أن هذا القائد لا إرادة لديه لتغيير الواقع. فكيف ننتظر من ثورةٍ أن تنتصر وقادتها أنفسهم لا يريدون لها النصر؟»