“إسرائيل” تقاتل بعقيدة توراتية… والجولاني يفتح أبواب دمشق!
“من شعائر التوراة إلى مشروع إسرائيل الكبرى: تداعيات على الساحة السورية“
من أبرز المعضلات الجوهرية لحكومة الجولاني عجز قادتها عن إدراك التحولات العميقة التي يشهدها الكيان الصهيوني بعد عملية “طوفان الأقصى”. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تتجه “إسرائيل” بخطى متسارعة نحو التحول إلى دولة دينية، وقد أعادت صياغة سياساتها الاستراتيجية استناداً إلى تعاليم التوراة. غير أن المسؤولين في دمشق – من الجولاني إلى شيباني – مشغولون ومنصرفون عن متابعة هذه التحولات، فلا يملكون وقتاً للبحث والدراسة ولا يستعينون بمستشارين أكفاء؛ ما جعل الفجوة المعرفية خطراً استراتيجياً حقيقياً.
خلال الأشهر الماضية، أقدم الإسرائيليون على إقامة طقوس دينية خاصة تحمل أبعاداً دينية وسياسية عميقة. فقد جرى فتح قبرين في القدس ودمشق – كما ورد في التوراة – باعتبارهما شرطاً لانطلاق مشروع “إسرائيل الكبرى”. فبعد أيام من فتح القبر الأول في القدس، قام وفد يهودي بفتح القبر الثاني في دمشق. وبينما يظن قادة الجولاني أن هذه مجرد شعائر دينية عابرة، فإنها في الواقع تمثل جزءاً من خارطة طريق دينية ـ سياسية تهدف إلى تأسيس الهيكل اليهودي وبناء جيش يهودي ضخم.
هنا تكمن خطيئة حكومة الجولاني: إذ يتصور شيباني أن دعوة الحاخامات واليهود من أصول سورية أو إعادة فتح كنيس دمشق يمكن أن تفتح باب التقارب السياسي مع تل أبيب. لكن زيارة الحاخامات الأخيرة لدمشق لم تكن خطوة دبلوماسية، بل “مهمة مقدسة”. ووفقاً للبرامج الدينية الصهيونية، فإن فتح القبر الثالث في سيناء سيكون بمثابة إشارة الانطلاق لبناء الهيكل، باعتباره “واجباً شرعياً”، والتقصير فيه يُعد تهديداً لوجود الدولة اليهودية.
إلى جانب ذلك، يتواصل المشروع التسليحي الإسرائيلي، حيث تستمر عمليات نقل الأسلحة من الولايات المتحدة، مع طرح خطة لتشكيل جيش قوامه نصف مليون جندي، ما يدفع المنطقة نحو مواجهة واسعة. ومع ذلك، ينشغل الجولاني والمقربون منه بمصافحة الوزراء الإسرائيليين والتباهي بفتح قبور بقيت مغلقة منذ 64 عاماً. وسيذكر التاريخ أن بشار الأسد رفض مصافحة أولمرت، بينما فتح الجولاني أبواب دمشق بلا تردد أمام الإسرائيليين.
حتى شخصيات معارضة علمانية مثل مناف طلاس، اتهمت الجولاني صراحة بالاستسلام، مؤكدين أن السلام لا يتحقق إلا من موقع قوة. فأي اتفاق مع إسرائيل يجب أن يضمن على الأقل استعادة هضبة الجولان، لا أن يتحول الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح ومحظورة الطيران مقابل بقاء الجولاني في السلطة.
الخطر الراهن يتمثل في أن تقاعس المعارضة السورية سيؤدي إلى ضياع البلاد أكثر وأكثر ، وقد تصل دبابات “ميركافا” إلى ساحة الأمويين في دمشق. إن بقاء الجولاني في الحكم لا يشكل ضمانة لأهل السنة، بل يمثل أكبر تهديد لمستقبلهم. فلو تولت السلطة بعد سقوط بشار الأسد حكومة وطنية معتدلة، لما تمكنت إسرائيل من تنفيذ مثل هذا المخطط في سوريا.
سيزسف الساحل