في النصف الثاني من أيلول/سبتمبر 2025، أعلنت عدة دول عن اعترافها بدولة فلسطين، كان أبرزها بريطانيا والبرتغال. للوهلة الأولى قد يبدو هذا الخبر مفرحاً للبعض، إلا أن قراءة متأنية تكشف أنه ليس سوى وهم يستهلكه قصيرو النظر.

بريطانيا تحديداً، لا يمكن أن تُذكر في أي سياق فلسطيني دون أن يستحضر الوعي الجمعي وعد بلفور المشؤوم؛ فهي الدولة التي أوجدت الكيان الصهيوني، وغذّته ودعمته منذ لحظة نشأته. فكيف يمكن لقوة استعمارية كهذه أن تتحول فجأة إلى نصيرٍ للحق الفلسطيني؟

الأغرب من ذلك هو أن تُنسب هذه الاعترافات إلى جهود دبلوماسية فلسطينية. والسؤال البديهي هنا: لماذا تأخرت هذه الاعترافات حتى اللحظة؟ وأين دور الصمود اليمني، والمقاومة في لبنان وغزة، والاحتجاجات المتصاعدة في الغرب التي فرضت ضغوطاً حقيقية على حكوماته؟

ما جرى ليس سوى محاولة لامتصاص غضب الشارع الغربي المتضامن مع فلسطين كل فلسطين، وليس فلسطين مُجزّأة وفق مقاييس أوسلو. إن هذه الاعترافات تأتي في إطار تكتيك غربي يهدف إلى شراء الوقت وتجنب انفجار الداخل الأوروبي، وليس نصرة لحقٍ تاريخي أو إنصافاً لشعبٍ عانى عقوداً من الاحتلال.

لقد أدركت القوى الاستعمارية أنها عاجزة عن القضاء على المقاومة، سواء كفعل مسلح أو كفكرٍ يورَّث للأجيال. ومن هنا جاء خيارها البديل: الإقرار بفلسطين كخطوة مرحلية تضمن بقاء “إسرائيل”، وتعيد إنتاج معادلة “هدوء مقابل وجود”. لكن هل أعاد هذا القرار الحق لأصحابه؟

ثم عن أي فلسطين نتحدث؟ أهي فلسطين أوسلو، التي كبّلت المقاومات وحجبت مشروع التحرير الوليد؟ أم فلسطين الواقعة اليوم تحت سلطةٍ أضحت أداةً بيد المحتل، تنفذ ما يُملى عليها؟

إن ما نشهده ليس سوى دعاية سياسية براقة تخفي وراءها مشروعاً خبيثاً: محاولة إنهاء المقاومة بالدبلوماسية بعدما فشل العسكر وكشفت المعارك الأخيرة حجم مأزق الكيان وكلفة دعمه.

_جوهر القضية باقٍ
ما حصل بالأمس لا يُعدّ نصراً للفلسطيني الوطني ولا لأي حر في هذا العالم. فالاعترافات الشكلية لا تُعيد الأرض، ولا تُوقف القصف، ولا تُعيد الشهداء إلى الحياة. إنها أوراق سياسية تُستخدم لإدارة أزمات الغرب الداخلية أكثر مما تُستخدم لإنصاف الفلسطينيين.

المقاومة، بكل أشكالها، ليست تفصيلاً في المعادلة، بل هي جوهرها. هي التعبير الأصدق عن إرادة شعب يرفض الاندثار. لذلك، فإن أي محاولة لاستبدالها بمسارات دبلوماسية ووعود دولية زائفة، لا تعني سوى استكمال المشروع الاستعماري بأدوات أكثر نعومة.

الحق الفلسطيني لا يُسترد بتوقيعٍ على ورق ولا باعترافٍ من دولة كانت شريكاً في صناعة المأساة. إنه حق لا يسقط بالتقادم، ولا يتجزأ، ولا يساوم. والمقاومة هي الضمانة الوحيدة لبقاء هذا الحق حيّاً في الوعي والواقع معاً، حتى زوال الاحتلال وزوال كل ما أوجده من كيانات زائفة.

فاتنة علي-لبنان