كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تحقيق موسع أن أعضاءً من عصابة دراجات نارية أمريكية تحمل توجهات معادية للإسلام يشاركون في تأمين مواقع توزيع المساعدات الإنسانية الممولة من الولايات المتحدة داخل قطاع غزة.
وأفاد التحقيق بأن أكثر من عشرة من عناصر عصابة “Infidels Motorcycle Club” تم توظيفهم عبر شركة أمنية أمريكية تُدعى UG Solutions، التي تعاقدت معها منظمة Gaza Humanitarian Foundation (GHF) لإدارة الأمن في مراكز توزيع الغذاء. وتُعدّ GHF مؤسسة غير ربحية أمريكية تأسست مطلع عام 2025 بتمويل حكومي أمريكي وبالتنسيق مع جهات إسرائيلية، بعد توقف عدد من نقاط التوزيع التابعة للأمم المتحدة.
وأظهرت صور ومعلومات حصلت عليها بي بي سي أن بعض أفراد العصابة يحملون وشوماً وشعارات ذات دلالات صليبية مثل الرقم “1095” المرتبط بالحملة الصليبية الأولى، إلى جانب عبارات تسيء للمسلمين. كما انتشرت صور لأشخاص يرتدون زي الحراس عند مراكز المساعدات حاملين لافتات كتب عليها: “Make Gaza Great Again”، في إشارة سياسية مثيرة للجدل.


ونقل التحقيق شهادات تفيد بأن عناصر الشركة الأمنية أطلقوا أعيرة نارية تحذيرية لتفريق الحشود المتجمعة على أبواب المراكز، في وقت تعاني فيه غزة من مجاعة خانقة. وأشار تقرير أممي إلى سقوط مئات الضحايا بالقرب من هذه المواقع، وسط اتهامات بفتح النار على المدنيين خلال محاولاتهم الحصول على المساعدات.
ومن أبرز ما توصل إليه التحقيق رسالة إلكترونية مسرّبة أرسلها جوني “تاز” مولفورد، قيادي في العصابة يشغل منصباً رفيعاً في الشركة الأمنية، يحث فيها زملاءه على عدم الرد على أسئلة الصحفيين، مؤكدة ارتباط العصابة بشكل مباشر بمهام إدارة الأمن في غزة.
وفي المقابل، نفت شركة UG Solutions إطلاق النار على المدنيين بشكل مباشر، لكنها أكدت استخدام “طلقات تحذيرية” في بعض المواقع، مشيرة إلى أن جميع عناصرها خضعوا لفحوص أمنية دقيقة. كما شددت مؤسسة GHF على تبنيها سياسة “صفر تسامح” مع أي سلوك تمييزي، وأعلنت أن مولفورد لم يعد على صلة بالعمل معها منذ أغسطس الماضي، مؤكدة فتح تحقيق داخلي في المزاعم.
يثير التحقيق أسئلة ملحّة حول حيادية المساعدات الإنسانية وآليات الرقابة على الشركات الأمنية الخاصة في مناطق النزاع، ويعكس خطورة إسناد مهام مرتبطة بحياة المدنيين إلى أفراد ينتمون إلى جماعات تحمل أيديولوجيات دينية أو سياسية متطرفة، ما قد يقوّض الثقة بين السكان المحليين والجهات الإنسانية العاملة.
ويشير التحقيق إلى أن مواقع توزيع المساعدات تحولت من فضاءات آمنة للمدنيين الباحثين عن الغذاء إلى أماكن محفوفة بالمخاطر، مع روايات عن إطلاق نار تحذيري وسقوط ضحايا بالقرب منها، ما يهدد بتقويض الثقة بين السكان والجهات الإنسانية، ويعرض آلاف المحتاجين لخطر الحرمان من الدعم في لحظة مجاعة غير مسبوقة.
كما يطرح التحقيق بعدًا قانونيًا وأخلاقيًا، إذ إن أي استخدام مفرط للقوة أو استهداف مباشر للمدنيين قد يشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويستدعي المساءلة أمام محاكم محلية أو دولية.
وتكشف القضية أيضًا عن خطر سياسي وأيديولوجي، يتمثل في احتمال تسييس العمل الإغاثي عبر إسناده لأفراد يحملون رموزاً دينية صليبية أو شعارات معادية للإسلام، ما يقوض مبدأ الحيادية الذي يُعد ركيزة أساسية للعمل الإنساني، ويجعل المساعدات أداة ضغط بدل أن تكون وسيلة إنقاذ، مما يفاقم التوترات ويعرض العملية الإنسانية برمتها للانهيار.
ولا تزال عدة قضايا محل تحقيق، أبرزها مدى تورط عناصر العصابة في إطلاق النار المباشر وسقوط ضحايا نتيجة لذلك، وما إذا كانت هناك تعليمات من المؤسسة المسؤولة أو الجهات الداعمة تسمح باستخدام القوة، إضافة إلى آليات الرقابة والمساءلة القانونية المتاحة وتأثير هذه القضية على مستقبل سياسات التعاقد مع شركات أمنية خاصة في مناطق النزاع التي تديرها منظمات إنسانية بتمويل حكومي.
المصدر: وكالة شهاب