سلاحُ المقاومة… قدرُ الأمة وسيفُ السيادة: قراءة استراتيجية – عسكرية في خطاب الشيخ نعيم قاسم.

بقلم: عدنان عبدالله الجنيد

المقدمة :

إلى كل من يظن أن بإمكانه قراءة مشهد سلاح المقاومة بعينٍ سياسية باردة، أو تحليل معادلاته بميزان المساومات… نقول: أنتم تقرأون المشهد من خارج التاريخ. هنا، أمام هذا السلاح، تسقط قواعد التحليل العسكري التقليدي، وتتلاشى النظريات الأمنية الجاهزة. لأننا نتحدث عن سلاحٍ ليس كغيره، عن معادلة لا تنكسر، عن قوة ولدت من رحم الدماء والإيمان، لا من صفقات غرف التفاوض.
خطاب الشيخ نعيم قاسم الأخير لم يكن مجرد بيان سياسي، بل مانيفستو استراتيجي يحدد بوضوح موقع السلاح في معركة الوجود، ويعيد صياغة مفهوم السيادة، ويقلب الطاولة على كل المشاريع التي تحلم بتجريده من شرعيته ودوره.
السلاح… من وسيلة دفاع إلى عقيدة وجود:
في عمق خطاب الشيخ قاسم، نجد أن السلاح لم يعد أداة ظرفية، بل أصبح جوهر الهوية المقاومة. هو خط الدفاع الأخير، والحصن الأول في آنٍ معاً. ليس بندقية تنتظر أوامر، بل قسمٌ معلّق في عنق كل مقاتل بأن يبقى مشهراً حتى تعود فلسطين.
المعادلة التي يطرحها الشيخ لا تقبل الوسط: إما سلاح يحمي لبنان، أو احتلال يبتلعه. أي محاولة لتقليص هذه المعادلة هي تفريغ للبنان من مناعته وتسليمه لقمة سائغة في فم العدو.
إعادة تعريف السيادة:

السيادة في منطق المقاومة ليست نصوصاً في دستور، بل قدرة فعلية على حماية الأرض وصون القرار الوطني. والدولة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها لا تملك حق المطالبة باحتكار القوة.
من هنا، تصبح ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة ليست مجرد شعار، بل بنية أمن قومي متكاملة، حيث يعمل السلاح المقاوم كذراع متقدمة للدولة، لا خارجها.

الردع الذي قلب قواعد اللعبة:

استراتيجياً، كان سلاح المقاومة هو التحوّل المفصلي الذي نقل لبنان من موقع المتلقي للعدوان إلى موقع المهدد لمصدر العدوان. قبل وجوده، كانت إسرائيل تحدد متى تبدأ الحرب وأين. بعده، أصبح القرار بيد المقاومة، وصار العدو يحسب ألف حساب قبل أي خطوة.
مارون الراس، بنت جبيل، وحرب تموز 2006، ليست أحداثاً في أرشيف الصراع، بل دروس حية لا تزال تل أبيب تدرسها في كلياتها العسكرية تحت عنوان: كيف فشلنا أمام مقاتلين يعرفون أن المعركة معركة وجود.
البعد العقائدي… السلاح كأمانة دماء
خطاب الشيخ قاسم يضع السلاح في إطار أوسع من التكتيك العسكري: إنه أمانة الشهداء، وهو امتداد لملحمة كربلاء وشعار “هيهات منا الذلة”.
التخلي عن السلاح هنا لا يعني فقدان أداة دفاع، بل خيانة للدماء واستسلام لمعادلة الذل. إنه قرار يوازي في أثره تسليم مفاتيح الوطن للعدو.
إسرائيل… من أسطورة القوة إلى هندسة الخوف:

اليوم، لم تعد إسرائيل تلك القوة التي تتحرك بلا رادع. لقد أجبرها سلاح المقاومة على بناء الجدران، وحفر الملاجئ، وإجراء مناورات سنوية لمدنييها على الإخلاء الفوري.
إنها المرة الأولى التي تشعر فيها تل أبيب أن الخطر الحقيقي يأتي من الشمال، وأن عمقها الاستراتيجي صار مكشوفاً أمام صواريخ دقيقة قادرة على إصابة أي هدف من رأس الناقورة إلى أم الرشراش.
مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية:
خطاب الشيخ قاسم كان واضحاً في كشف طبيعة الضغوط الخارجية التي تربط بين المساعدات وإعادة الإعمار ونزع السلاح. هذه ليست “صفقات سلام”، بل خطط استسلام مقنّعة هدفها إعادة لبنان إلى ما قبل زمن الردع.
الجواب كان حاسماً: السلاح قرار سيادي مستقل، ومن يربطه بأي ملف اقتصادي أو إغاثي يثبت أنه يشارك في مشروع تصفية المقاومة.
الخاتمة: السلاح الذي يتحدى العالم
إن خطاب الشيخ نعيم قاسم ليس تبريراً للسلاح، بل إعلان سيادي صارم:
هذا السلاح لن يُنزع إلا فوق أطلال تل أبيب، ولن يُسلم إلا في قلب القدس، ولن يتوقف عن العمل حتى تشرق شمس التحرير.
من يظن أن بإمكانه تجاوزه أو الالتفاف عليه، عليه أن يقرأ جيداً ما بين سطور هذا الخطاب: معركة السلاح هي معركة الوجود… ومن يدخلها عليه أن يعرف أن نهايتها لن تكون بالتسويات، بل بانتصار من حمل البندقية حتى النهاية.
إلى كل من يرفع القلم ليحلل أو يُقيّم سلاح المقاومة، نقول بوضوح لا لبس فيه:
هذا السلاح لا يُقاس بأدوات التحليل التقليدية، ولا تُفهم أبعاده بمقاييس المؤسسات الأمنية أو استراتيجيات القوى الكبرى.
هو نتاج دماء وعقيدة وأمة بأسرها، نمت وسط الحصار والحرب، وصنعت من رحم الألم أعظم قوة ردع في المنطقة.
فمن يتجرأ على تصنيفه ضمن “جيوشٍ مسلحة” عادية، أو يعتقد أنه يمكن توصيفه بتحليلات تقليدية، فهو لا يعرف تاريخ هذا السلاح ولا عمق تجربته ولا عظم مسؤوليته.
كل حساباتكم العسكرية، ونظرياتكم التكتيكية، ومؤتمراتكم الأمنية، ستقف عاجزة أمام إرادة أمة قررت أن لا تنكسر، وأن لا تضع سلاحها إلا في قلب الاحتلال.
هذا هو السلاح… وهذا هو التحدي.
فهل أنتم مستعدون لفهمه فعلاً، أم ستظلون أسرى لخيالاتكم وأوهامكم؟