تعويم حلّ الدولتين: هل يفيد وهل يكفي؟
بقلم الأستاذ ناصر قنديل/الثلاثاء 2025/07/29
..
– شكل اجتماع الأمم المتحدة تحت عنوان حل الدولتين بمبادرة عربية أوروبية، وبصورة أخص سعودية فرنسية، حدثاً دولياً هاماً، حيث تقدم مجدداً ربط الاستقرار الدولي والإقليمي بحل سياسي للقضية الفلسطينية يرتكز على القانون الدولي، وجوهر انسحاب الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967، وقيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة عاصمتها القدس الشرقية، في مواجهة الدعم الأميركي اللامحدود للتوجهات الإسرائيلية القائمة على تصفية حقوق الشعب الفلسطيني والتخلص من أطروحات الأرض مقابل السلام التي رعت العمليات السياسية في المنطقة ما بعد حرب العام 67، لصالح السلام والتطبيع مقابل الأمن، وبقاء الاحتلال بل وإتاحة توسع الاحتلال تحت عنوان المناطق العازلة والأجواء المباحة، والدول منزوعة السلاح.
– الحراك السعودي يشكل تخلياً عن أوهام المجاراة للدعوات الأميركية لما سُمّي بالمسار الإبراهيمي، الهادف إلى تهميش القضية الفلسطينية، وشرعنة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي، تحت شعار التحالف العربي الإسرائيلي في مواجهة ما سُمي بالخطر الإيراني المشترك، ويربط قبول التطبيع بمسار قيام الدولة الفلسطينية، ويعيد ترتيب النظر للعلاقة مع إيران بطريقة مختلفة، حيث التعاون يمكن أن يكون بديلاً للعداء المفترض، وحيث مشاريع الحرب الأميركية الإسرائيلية على إيران لم تعد موضع ترحيب خليجي، وحيث المخاطر المترتبة على هذه الحرب تهدد استقرار دول الخليج ومصالحها الحيوية. وهذا التحول السعودي يفرض حضوره على المناخ العربي السياسي والإعلامي بسبب مكانة السعودية في صناعة المشهد السياسي العربي والإسلامي.
– أن ينعقد هذا اللقاء الدولي بقيادة سعودية يعني إسهاماً فعلياً بعزل “إسرائيل” في لحظة دولية تثور شعوب العالم فيها على الإجرام الإسرائيلي وتفرض على حكوماتها ضغوطاً يتغير معها المشهد السياسي الدولي، فذلك أمر جدير بالاهتمام، لكنه لا يعفي من ملاحظة أمرين رئيسيين:
الأول، عدم التناسب بين ما يجري في العالم وما يجري في العالم العربي، حيث حجم حضور الجريمة الإسرائيلية والدعم الأميركي لها في الإعلام والسياسة والشارع هو الأدنى مرتبة على الصعيد العالمي، بدلاً من أن يكون هو الطليعة المتقدمة لتفاعل الشعوب والحكومات مع ما تتعرض له فلسطين وشعبها.
والأمر الثاني، هو أن التبشير بحل الدولتين وردّ الاعتبار لقيام دولة فلسطينية كمدخل للاستقرار الإقليمي والدولي، لا يكفي لردع العدوانية الإسرائيلية وفرض التراجع على الدعم الأميركي لهذه العدوانية.
– السياسة مصالح أولاً وأخيراً، فهل تشعر أميركا ومن خلفها “إسرائيل” أن هناك تهديداً حقيقياً لمصالحهما جراء هذه العدوانية التي ترسم السياسة في المنطقة؟ وهل تستخدم السعودية ومن خلفها العرب ومعهم الدول الإسلامية واستطراداً الدول الأوروبية وعدد من الدول الغربية المنضوية تحت حراك حل الدولتين، ما لديها من أوراق ضاغطة لفرض مسار معاكس للمسار الراهن؟
الجواب هو: بالتأكيد لا، وبيد هذا الحلف الدولي الكبير الكثير الكثير لفعله من أجل إسماع صوته بقوة. والواضح أن أميركا التي استهترت بموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعلان الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين، لن تقيم الحساب لأي مواقف مشابهة ما دامت مجرد ظواهر صوتية. والحديث هنا لا يدور عن استخدام القوة ولا تحريك الجيوش.
– لأن السياسة مصالح، يصبح السؤال: هل تربط الدولة التي تعتبر حل الدولتين مفتاحاً للاستقرار الإقليمي والدولي وتجسيداً لمصالحها وتطلعاتها بلعب أدوار تجسد أحجامها ومكانتها؟
فإنها تدرك أن الإقرار لها بتأثير حاسم في مسارات السياسة الإقليمية بصورة مخالفة لما ترسمه السياسة الأميركية السائرة على قدم واحدة هي القدم الإسرائيلية، يتوقف على ربط المصالح بالسياسات. وهذا يعني أن “إسرائيل” لا تستطيع أن تحظى بامتيازات ومكاسب من علاقاتها بالدول العربية والإسلامية والأوروبية ما لم تتوقف عن شن الحروب وترتضي الجلوس إلى مائدة التفاوض تحت عنوان البحث عن حل سياسي مؤسس على القرارات الدولية.
وهذا يطال السفارات والتطبيع والتعاون العسكري وتسهيلات شركات الطيران والموانئ وكل أشكال التعاون المعلن وغير المعلن، وصولاً إلى اتفاقات الشراكة التجارية الأوروبية الإسرائيلية.
– السؤال الأهم هو: أليس من الطبيعي أن يربط العرب تمويلهم المفترض للرئيس دونالد ترامب بموقفه من الحروب الإسرائيلية وحل الدولتين؟