لم تعد المعارك تدار فقط بالصواريخ أو الطائرات، بل أصبحت العقول هي الميدان الأشد ضراوة. ويُعدّ الاختراق الاستخباراتي من أخطر الأدوات المستخدمة، إذ يُسهم في ضرب الدول من الداخل، وإرباك مراكز القرار، دون إطلاق رصاصة واحدة.
ما شهدته إيران مؤخرًا من استهداف لرئيس الحرس الثوري ورئيس هيئة الأركان وعدد من العلماء النووين، وبعض المنشآت الحساسة، يُثير الكثير من التساؤلات حول مستوى الاختراق الاستخباراتي الذي تعرّضت له. فالضربات المتتالية التي تلقّتها، والتي طالت مواقع استراتيجية وأمنية، لا يمكن تفسيرها دون وجود اختراق عميق للمنظومة الأمنية والعسكرية.
حزب الله بدوره لم يكن بمنأى عن هذه الحرب الخفية، فاستهداف قيادات الصف الأول ، ومواقع نوعية، يؤكد أن الحرب لم تعد فقط عبر الطائرات و الصواريخ، بل عبر اختراقات دقيقة تُسهّل للعدو تنفيذ ضرباته بدقة غير معتادة.
هذا النمط من الحرب لا يكتفي بالضربات، بل يهدف إلى زعزعة ثقة الشعوب بقياداتها، وخلق تصدعات داخل الجبهة الداخلية، ما يجعل من الحرب النفسية والاستخباراتية سلاحًا فتاكًا يفوق أثر القنابل.
من بين أبرز أسباب الاختراق ضعف التحصين المعلوماتي، وتسرّب البيانات عبر الوسائل التقنية أو حتى الأشخاص المُجندين. الاعتماد المفرط على الوسائط غير المؤمنة، وغياب التدقيق الأمني الصارم، يفتح الباب واسعًا أمام العدو للتغلغل.
أما التحصين المطلوب، فيبدأ بإعادة تقييم البنية الأمنية، وتعزيز شبكات المراقبة والتحقيق الداخلي، وتفعيل الوعي الأمني لدى العاملين في المواقع الحساسة. كما يجب تطوير أدوات الردع السيبراني، والاعتماد على كوادر خبيرة في تحليل الثغرات وسدّها.
إن ما يحدث اليوم يؤكد أن جبهة الحرب لم تعد مرئية فحسب، بل إن المعارك الأخطر تُدار في الخفاء. ومن لا يُحصّن نفسه جيدًا، يكون فريسة سهلة، ولو امتلك أقوى الأسلحة.
أحلام الصوفي /اتحاد كاتبات اليمن