..
– منذ ارتباط التنافس الدولي بالسباق النووي والردع النووي لم تعد الحروب العالمية تشبه سابقاتها، وقد رأيناها تجري بصورة متفرّقة زمانياً ومكانياً، بحيث يشكّل مجموعها حرباً عالمية كاملة، منذ حرب تموز 2006 على لبنان التي وصفتها غونداليزا رايس يومها وزيرة الخارجية الأميركية بمخاض ولادة شرق أوسط جديد، بعد فشل الحروب الأميركية على أفغانستان والعراق في فرض مسار جديد في آسيا لصالح مشروع الهيمنة الأميركية، وكان المحور الواضح للحرب إضعاف ايران بما سُمّي كسر رأس حربتها الذي يمثله حزب الله، وما تلاها من حروب شهدتها المنطقة للهدف ذاته، بحيث كان واضحاً أن واشنطن تعتبر السيطرة على الشرق الأوسط وفرض الشروط الأميركيّة على إيران مدخلاً للإمساك بقلب آسيا وتحويل روسيا إلى قوة إقليمية في أقصى الشمال والصين الى قوة إقليميّة في أقصى الشرق.
– حروب الربيع العربيّ كانت مدخلاً للحرب على سورية والحرب على سورية كانت تستهدف تغيير موقعها في معادلات الصراع في المنطقة، وصولاً إلى إخراجها من التحالف مع إيران وقوى المقاومة، وحروب «إسرائيل» بعد طوفان الأقصى والانقضاض بدعم أميركي على قوى المقاومة في لبنان والعراق والاشتباك مع اليمن محاولات مشابهة، تمهيداً لمحاصرة إيران وفرض الشروط عليها. وقد نجحت هذه الحروب، من إضعاف حزب الله إلى إسقاط سورية ومحاصرة المقاومة في اليمن، في خلق ظروف تشجّع على الاعتقاد أن وقت الحرب على إيران قد حان، رغم تطوّرات بعيدة وقريبة لا تنسجم مع هذا الاستنتاج، حيث فشلت محاولات استدراج روسيا إلى فخّ يبرّر إسقاطها بحزمة العقوبات القاتلة ونجت روسيا باقتصادها ونظامها وحوّلت الحرب التي استدرجت إليها إلى مدخل لإعادة صياغة المشهد الأوكراني والمشهد الأوروبيّ لاحقاً، وهو ما بدأت واشنطن تعترف به، بينما شكل صعود اليمن وظهوره لاعباً إقليمياً مفاجأة الحرب وفشلت محاولات لإضعافه وتطويقه، رغم انخراط أميركا برئيسيها جو بايدن ودونالد ترامب في هذه الحرب وصولاً للتسليم الأميركي بالعجز والفشل وقبول اتفاق يلبي شروط اليمن، تنهي عبره أميركا إسنادها لكيان الاحتلال ويواصل عبره اليمن إسناده لغزة.
– بسبب الفشل في الحربين مع روسيا واليمن، والتسليم بصعود صيني اقتصادي وسياسي وعسكري، سارت أميركا مع إيران بثنائية التفاوض والاستعداد للحرب بالوكالة عبر تفويض إسرائيل بخوضها، لكن هذه الحرب سوف ترسم بنهايتها مستقبل المنطقة والعالم، لتكون آخر فصول الحرب العالمية الثالثة، فإذا ربحت «إسرائيل» تكون أميركا قد أمسكت قلب الشرق ونجحت بجعل روسيا دولة معزولة شمالاً وجعل الصين دولة معزولة شرقاً، وتتحول «إسرائيل» إلى قوة إقليمية حاكمة يؤدي الجميع لها فروض الطاعة، وإذا ربحت إيران تكون روسيا والصين قد دخلتا مرتبة العالميّة ببقاء قلب الشرق مناوئاً للهيمنة الأميركية وطرفاً في حلف عالمي استقلالي، وتدخل المنطقة مرحلة من الاستقرار والتحالفات الجديدة لنظام إقليمي تديره دول المنطقة من دون كيان الاحتلال، ويفتح الطريق لفلسطين نحو مسارات جديدة.
– الربح والخسارة هنا ليسا بالمعنى التقليديّ لما شهدناه في الحروب العالميّة أي السقوط الكامل للطرف الخاسر، بل باستجابته لوقف الحرب بشروط غير شروطه، وتسليمه بمكانة كان ينكرها على الطرف المقابل، حرب الردع المتبادل تجري بقسوة وبكامل القدرات، وقد باتت بصورة أو بأخرى حرب القدرة الإسرائيلية على تدمير القوة الصاروخية الإيرانية، ليعود الكيان الى استرداد أمنه الداخلي الذي يتآكل أمام الصواريخ الإيرانية، وبالمقابل حرب القدرة الإيرانية على استنفاد الدفاعات الجوية الإسرائيلية مخزونها الصاروخي الذي يعتمد على ما تقدّمه واشنطن، الذي سبق وقالت مراراً بمحدودية قدرتها على إنتاج وتزويد أوكرانيا بما يلزم وزادت أزمتها مع دخول الحرب الإسرائيلية بعد طوفان الأقصى دائرة الطلب على المزيد، والحروب تستمرّ دون توقف.
– المنهجية الإسرائيلية والغربية في الحروب واحدة، وهي بناء استراتيجية الحرب على البدء بالضربات الكبرى والرهان على تداعياتها، بينما المنهجية الإيرانية والروسية والصينية واستراتيجياتها ومعها قوى المقاومة واحدة أيضاً وتقوم على احتواء الضربات الأولى ثم تتصاعد تدريجياً في الردود. وهذا يعني أن اللحظة الراهنة إذا كانت لحظة توازن فهي ترسم خطاً بيانياً صاعداً لصالح إيران، تماماً كما كان الحال في الحرب الأوكرانية بالنسبة لروسيا، وكلما ثبت عجز «إسرائيل» عن المضي قدماً في تحقيق إنجازات في الحرب، وثبت بالمقابل أن إيران قادرة على فعل المزيد، سوف يبدأ المشهد بالنضوج لتسوية تكون يد إيران فيها هي العليا سواء مع إيران أو إسرائيل، ويكون لفلسطين وشعوب المنطقة نصيب.
الإثنين,2025/06/16
أ.ناصر قنديل