في صباحٍ موشّحٍ بالدمِ والكرامة، وعلى إيقاعِ الطوفانِ الهادرِ من غزّة، ارتقى اللواء حسين سلامي شهيدًا، والرصاصُ الصهيونيّ الخبيثُ ينهشُ جسدَه الطاهر، ظانًّا أنّ اغتيال القادةِ يُطفئ مسارَ الزحفِ نحو القدس، ويكسرُ عمودَ محورِ المقاومة… هيهات.

لقد كان سلامي أكثر من قائدٍ عسكريّ، وأكثر من منظّرٍ استراتيجيّ… كان بوصلةَ الردع، وعينَ الجمهورية الإسلامية على خطوط النار الممتدة من طهران إلى الضاحية، ومن بغداد إلى صنعاء، حتى أقصى النقب.
لم يُضبط خطابُه يومًا على وتيرة المهادنة، ولم يُعرف عنه إلا الصلابة في المواقف، والجرأة في تعرية العدو، والإصرار على تثبيت المعادلات الكبرى بالحديد والنار.
لقد جاء اغتياله في لحظةٍ فارقةٍ من التاريخ… فـ”طوفان الأقصى” لم يكن فقط ملحمة فلسطينية، بل تحوُّلًا استراتيجيًّا كسر هيبة العدو، وأعاد التموضع الجهادي لمحور المقاومة على قاعدة: النار قبل الكلام، والسلاح قبل البيان.
وفي هذا السياق، برز اسم سلامي كرأس حربة في هندسة القوة الصاروخية للحرس الثوري، وإعادة تعريف “الردع” بوصفه مشروعًا حضاريًّا لا مجرّد منظومة عسكرية.

“حُسَيْن” بَدرُ الحُسنِ والرِّقَّةِ والثبات، و”سَلَامِي” سلامُ الأبطال، السلامُ الذي لا ينبت إلا من ميدان القتال والكرامة.
هو ذاك الإنسانُ الذي اجتمع فيه نبلُ النفس وصفاءُ القلب، وحُسنُ الخلق وصلابةُ الإرادة.
كان في مواقفه قمةٌ لا تُضاهى، وفي صمته عبرةٌ، وفي كلماته بوحُ الرجال.
حُسَيْنُ سلامي… سلامٌ لا يُهادن، وحُسينٌ لا ينكسر، رمزٌ للمقاومة، ونموذجٌ للشهادةِ التي تَحلو بها الحياة.

سلامي… حاملُ عبء الجغرافيا

منذ أن عُيّن قائدًا عامًا للحرس الثوري عام 2019، وضع نصب عينيه ترسيخ العمق الاستراتيجي للمقاومة في المنطقة، فكان الداعم الأول لفصائل الجهاد في فلسطين، والناقل الخفي لتكنولوجيا الصواريخ الدقيقة، والراعي لنهضة الردع اليمني، والباني لجسور الدعم لسوريا والعراق ولبنان.
لم يكن حضوره في الميدان أقلّ من حضوره في الغرف السوداء لصياغة المواقف الكبرى.

كان يؤمن أن طهران لا تحرس أمنها من حدودها الجغرافية بل من حدود فلسطين، وكان مقتنعًا أن القدس لا تُحرّر من باب المغاربة فقط، بل من جبال اليمن، ومن نهر الليطاني، ومن هضاب الجولان، ومن معسكرات غزة.

سلامي في خط النار

لم يكن اللواء سلامي ناطقًا باسم الحرس الثوري فحسب، بل كان من مؤسسي مفهوم “الحرس الإعلامي المقاوم”، حيث امتزجت بلاغته الفارسية بالفكر القرآني والرؤية العسكرية.
كان خطابه يضجّ بالنبض الحسيني، وتكادُ عباراته تُطرق كالرصاص في آذان الأعداء:
“نحن لا نبحث عن الحرب، ولكننا لا نهرب منها… وإن ضربتم، سنحوّل ساحاتكم إلى مقابر جماعية.”

الشهادة في زمن الطوفان

إن استشهاد القائد سلامي في هذه اللحظة التاريخية، يُجسّد اكتمال الدائرة: من احتضان المقاومة، إلى دعم طوفانها، إلى الاستشهاد على دربها.
لقد التحق بكوكبة القادة الشهداء: قاسم سليماني، ومحمد علي الله دادي، ورضا زاده، ومهدي شحادة، وأبو مهدي المهندس، وغيرهم من الذين كتبوا معادلة الطوفان بالدم والشهادة والبصيرة.
لن تُمحى صورة سلامي من ذاكرة الجبهات، كما لن تُنسى عباراته في قاعات التعبئة، ولن تُخمد وصاياه في عقول المجاهدين.
لقد خطّ بدمه آخرَ سطرٍ في كتابه الطويل:
“نحن أمة لا تموت، بل تتجدّد بالشهادة، وتزحف إلى القدس على أكتاف القادة الذين لا يترجّلون إلا حين تكتمل الرسالة.”

الختام:
سيبقى اسم اللواء حسين سلامي محفورًا على صواريخ غزة، وفي مدوّنات الردع اليمني، وعلى الجدران المقدسة في سيدة الجنوب، وفي كتب الفقه الثوريّ الذي بشّر به روح الله الخميني.
وسيظل استشهاده صفعة في وجه الكيان الصهيوني، وجرس إنذار لحكام البيت الأبيض:
اغتلتم الجسد، لكنكم فجّرتم الطوفان من جديد.

عدنان عبدالله الجنيد
كاتب وباحث سياسي مناهض للاستكبار العالمي.