– لم يعد التصرف بنصوص اتفاق وقف إطلاق النار محصوراً بمزاعم ربط الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات الإسرائيلية بنزع سلاح المقاومة، كما تتحدّث أحزاب سياسية منها حزب القوات اللبنانية الذي يتمثل بوزارة الخارجية التي تنطق باسم الحكومة وترسم خططها الدبلوماسية، ومعها شخصيات نيابية وسياسية وإعلامية، بينما يكتفي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بتصريحات إعلامية عن تحميل “إسرائيل” مسؤولية انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار وخرق القرار 1701، وقد صار المطلوب مناقشة رسمية داخل الحكومة تحسم الأمر، وتقول بوضوح إن شأن السلاح والبحث بمستقبله متفق على وجوب حدوثه، لكن بعد الانتهاء من بنود الاتفاق التي تخصّ جنوب الليطاني وإطلاق إعادة الإعمار، ولا مشكلة هنا في الاعتراف بأن هناك خلافاً بين ثلاثة تيارات، تيار يقول بنزع السلاح ولو استدعى الأمر تكليف الجيش بذلك، وتيار يقول بحصرية السلاح بيد الدولة لكن عن طريق الحوار ولو اقتضى مزيداً من الوقت، وتيار يقول إن الأمر ليس ببقاء السلاح او حصره أو نزعه بل بالجواب على سؤال كيف نحمي لبنان وفقاً لاستراتيجية دفاعية تظهر أدواتها خلال النقاش، فإن قرر اللبنانيون امتلاك الجيش قدرات عسكرية تكفل حماية لبنان وأولها شبكة دفاع جوي وسار خطوات عملية على هذا الطريق يصبح ممكناً وضع خطة لا تضعف لبنان وتضمن تراجع دور سلاح المقاومة تدريجياً بالتناسب مع تصاعد قوة الدولة وسلاحها، وإن قررت الدولة أنها لا تستطيع سلوك هذا الطريق فلا بدّ من استراتيجية توازن بين الاعتماد على الجيش والمقاومة ضمن مفهوم آخر للاستراتيجية الدفاعية.
– تأخر الحكومة عن القيام بواجبها في إيضاح مضمون اتفاق وقف إطلاق النار والأولويات التي يرسمها، ترك الفرص المفتوحة لتحقيق الاحتلال أرباحاً سياسية بإيجاد تبرير لبقاء الاحتلال واستمرار الاعتداءات عبر الاستثمار على أصوات لبنانية تقول بأن “إسرائيل” غير ملزمة بالانسحاب ووقف الاعتداءات قبل نزع سلاح المقاومة، والخطير أن بين هذه الأصوات صوت وزير الخارجية الذي أصبح سلاحاً يستخدمه الإسرائيليون في مواقفهم السياسية والدبلوماسية للقول إن هناك اتفاقاً بين حكومة لبنان وحكومة الاحتلال على مواصلة الاحتلال والاعتداءات للضغط على حزب الله لأجل تسليم سلاحه، ولأن حزب الله لن يستجيب لهذه الضغوط، وقد قال ذلك علناً، فالنتيجة هي سقوط الاتفاق وبقاء الاحتلال واستمرار العدوان، والخاسر هو لبنان، الذي يكون بإهمال حكومته واجبها وتساهلها مع الكيد السياسي لبعض الأطراف، وتهاونها مع مسؤولية وزارة الخارجية فيها، قد أصابت لبنان في مقتل يفقده كل دعم دبلوماسي في مطالبته بوقف الاحتلال والعدوان، بل ربما يصبح السائد هو الرأي الذي يتهم الحكومة بالتقصير بنزع السلاح كسبب لبقاء الاحتلال واستمرار الاعتداءات، طالما أن وزير خارجية لبنان يقول بذلك.
– التصرف بنصوص اتفاق وقف إطلاق النار، لا يقتصر التلاعب بالأولويات لتبرير بقاء الاحتلال واستمرار العدوان، بل يطال البند الخاص بالاتفاق بحق الدفاع عن النفس، الذي كفله الاتفاق للطرفين، فيخرج البعض للهجوم على المقاومة ويتهمها بالتخلي عن واجباتها بداعي أنها لا تقوم بالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية، وهو الفريق ذاته الذي يقول بأولويّة نزع السلاح في وقت واحد، ثم يعود ليقول إن السلاح فقد مبرره لأنه لا يردّ على الاعتداءات، والحكومة اللبنانية معنية وحدها بقول الكلمة الفصل، وبالرغم من أن النص مرتبط بسياق الاتفاق الذي ينص على تولي الجيش اللبناني مسؤولية الأمن وانسحاب حزب الله من جنوب الليطاني، بما يعني أن الحق بالدفاع عن النفس رداً على الاعتداءات يعود للدولة اللبنانية، في وقت تخترع “إسرائيل” حقاً بلا مبرر لتقوم باعتداءاتها وتسميها حقاً بالدفاع عن النفس، ولتقل الدولة اللبنانية عكس ذلك فلا مشكلة، لكن لتخبرنا من المعنيّ بحق الدفاع عن النفس المنصوص عليه بالاتفاق، الدولة أم المقاومة، فإن كانت الدولة من حق الناس أن تسأل الدولة ماذا تنوي أن تفعل، ومتى تمارس هذا الحق، وهل من وقت لمهلة الحل الدبلوماسي الذي تتحدث عنه، وإن قالت الحكومة إن المقصود بهذا الحق هي المقاومة، تصبح المقاومة معنيّة بممارسة هذا الحق تحت غطاء شرعي هو موقف الحكومة.
– صمت الحكومة أخطر من كلام وزير الخارجية فيها.

ناصر قنديل