قررت ولاية إسطنبول إغلاق محطتي تقسيم وشيشانه على خط مترو M2 الواصل بين يني كابي و حجي عثمان، وخط القطار الجبلي المائل F1 الواصل بين تقسيم وكاباتاش، وذلك اليوم السبت 19-04-2025 عند الـ15:00 وحتى إشعار آخر.
وأتى قرار الإغلاق بالتزامن مع مسيرة “لا للإبادة الجماعية والمجازر والترحيل في غزة”، التي دعت إليها رئاسة حزب الشعب الجمهوري المعارض في إسطنبول على أن يكون مسارها من النفق إلى تقسيم في الساعة 19:00 من نفس اليوم، غير أن ولاية إسطنبول أبلغت الحزب أنها لم تجد مسار المسيرة مناسباً، بينما أصر الحزب على تنظيم المسيرة.
يلقي هذا الحدث الضوء على استخدام القضية الفلسطينية في الكباش السياسي المتصاعد بين الحكومة التركية (بقيادة حزب العدالة والتنمية) وحزب المعارضة الرئيسي، فقد اعتبر رئيس فرع حزب الشعب الجمهوري في اسطنبول أوزغور تشيليك قرار الإغلاق “نفاقاً”، متهماً “الحكومة التي استفادت سياسياً من القضية الفلسطينية خلال فترة الانتخابات” بالتزام الصمت إزاء خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين، غامزاً من قناة “الصداقة” بين الرئيسين التركي رجب طيب اردوغان وترامب، وعدم تعليق الحكومة على هذه الخطة.
وبالكوفية الفلسطينية تقدم تشيليك أنصاره للمشاركة بالمسيرة، التي منعت وسط عتقال بعض الشبان وانتشار مئات من رجال الشرطة والحواجز في منطقة تقسيم، ليعترض على إجراءات الولاية (ومن ورائها الحكومة) ذات “المعايير المزدوجة”، معتبراً أن [حتى في “إسرائيل” يُسمح بالمظاهرات المناهضة لنتنياهو].
على أن تصويب تشيليك على “نفاق” الحكومة، ورفع عنوان القضية الفلسطينية للتحرك التضامني اليوم، لا يمكن عزله، بصورة خاصة عن مسار احتجاجات حزب الشعب الجمهوري على اعتقال أحد قيادييه وأبرز مرشح رئاسي معارض أي رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الموقوف في سجن سيليفري غرب إسطنبول بتهم فساد ودعم الإرهاب، وبصورة عامة عن معركة الاستحقاق الانتخابي القادم، رئاسة وبرلماناً (2028)، وإذ بدأ هذا الحزب في الآونة الأخيرة استخدام أدبيات التضامن مع الفلسطينيين، لم تسجل له فعاليات احتجاجية في بدايات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ نحو العامين، حتى أن قيادييه، وتحديداً رئيسه أوزغور أوزيل وإمام أوغلو، تحدثوا باستنكار عن 7 أكتوبر 2023 (عملية “طوفان الأقصى”) و”إرهاب” حركة حماس، وتماهت مواقفهم حينها إلى حد ما مع مفردات أحزاب أوروبية تشاطرهم أفكار “اليسار الديمقراطي” وسخر بعضهم من حملات المقاطعة المحلية للمنتجات الداعمة لـ”إسرائيل”.
في المقابل، أدان والي إسطنبول داوود غول “أولئك الذين يستغلون القضية المقدسة لإخواننا الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية خاصة” وتعطيل حركة المرور في كبرى المدن التركية، في إشارة إلى فعالية حزب الشعب الجمهوري، لكن الوالي القريب من الحزب الحاكم لم يعلق يوماً على تظاهرات وفعاليات، وهي بالعشرات نظمتها جمعيات متحالفة أو قريبة من العدالة والتنمية، أو شخصيات سياسية قريبة من اردوغان (من بينها نجله بلال اردوغان)، وأغلقت فيها جسور وساحات عامة في اسطنبول تضامناً مع الشعب الفلسطيني ورفضاً لما يجري على أهل غزة.
وللمفارقة فإن التظاهرات التضامنية للجمعيات القريبة من الحزب الحاكم، خلال نحو عامين من مأساة غزة، تمت في وقت كانت العلاقات الاقتصادية مستمرة والتجارة على أشدها (بمليارات الدولارات) بين الموانئ التركية ومثيلاتها على الساحل الفلسطيني، بين خضار وفواكه وحديد صلب وأسلاك شائكة وإسمنت ومشتقات بترولية كانت تضخ الحياة في “إسرائيل” لأشهر عدة بعد 7 أكتوبر، وحتى عندما توقفت العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب بقيت هذه التجارة عبر دول ثالثة أو عبر السلطة الفلسطينية بشهادة مؤسسات اقتصادية أوروبية.
ولا يقتصر استخدام فلسطين في الكباش السياسي المحلي على الحزبين الرئيسين “العدالة والتنمية” الحاكم و”الشعب الجمهوري” المعارض، فحتى أحزاب أخرى ناشئة اعتمدت هذه القضية كرافعة انتخابية خلال مرحلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهو ما حدث مثلاً مع حزب “الرفاه من جديد” برئاسة فاتح أربكان (نجل القيادي الإسلامي التاريخي نجم الدين اربكان) الذي حقق نتائج ملحوظة في استحقاق البلديات الأخير، وحزب المستقبل بزعامة أحمد داوود أوغلو (الرفيق السابق لأردوغان) الذي لطالما اتهم بالمزايدة على الرئيس التركي في القضية الفلسطينية، وكذلك حزب السعادة التركي (إسلامي معارض) وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان.
خاص موقع الواقع | عبد الناصر فقيه ـ مختص في الشؤون التركية