كيف ننتفض؟!..الجواب بسيط جداً، فلننتفض ونتحرك، ما الذي يمنعنا؟!

تقترح نظرية هرم ماسلو للحاجات الإنسانية أن الإنسان يتحرك من قاع الهرم إلى الأعلى بمقدار ما يستوفي من حاجات في  كل مجموعة في الهرم.

تحليل الوضع الراهن (إجابة على السؤال: ما الذي يمنعنا؟)

فإذا ما نظرنا إلى واقعنا الفلسطيني فإن الاحتياجات الفيسيولوجية تواجهها الكثير من المعوقات حيث يلهث الإنسان راكضاً وراء لقمة العيش والقروض لتوفير هذه الاحتياجات من غذاء ومسكن وزواج. وذلك فإن احتياجات الأمان الجسدية تواجه الكثير من التحديات كالأمراض النفسية المنتشرة والأمراض العضوية وارتفاع في نسبة السرطان، بالإضافة إلى انعدام الأمن في التعبير والتواصل والدفع باتجاه خيار المقاومة مثلاً، وكل ذلك يؤثر في الاحتياجات الاجتماعية والروابط الأسرية من تهجير موضوعي وقسري، بل وقتل كما نشهد في الضفة وغزة والساحل السوري. وكل ذلك يحدث في موجة تحطّم الشعور بالتقدير من تآمر وتطبيع وتحقير لخيار الانتفاضة بنعته بتهريب للمخدرات، أو تشويه للطائفة التي ينتمي إليها الفرد، ومن مسميات تُقصي الفرد عن مجتمعه كنعته بالإرهاب وتوثيق ذلك بالقوانين الدولية، وكله مؤداه إلى أن يعيش الإنسان منذ الولادة حتى الممات لاهثاً بين احتياجاته الفيسيولوجية والاجتماعية دون أن يرى الأفق الذي ينال فيه التقدير والمكانة ليصل إلى تحقيق الذات.

فهي سلسلة متصلة داخل النفس البشرية تصل بالإنسان إلى ألا يتخذ قراراً بالتحرك، وعند تراكم هذه الضغوط مع الزمن يتطبَّع الإنسان على البلادة والتيه لأنه لا يرى لتحقيق الذات سبيلاً ولا طريقاً.

المعضلة:

ولكن، ماذا عن إبراهيم النابلسي وأمثاله من الشباب والشيوخ الذين انتفضوا؟ ماذا عن أهل غزة الذين جنّدوا شباباً بالآلاف وهم تحت الحصار والموت ومحاولات الزعزعة المستمرة من العملاء والفضائح وعمليات الإسقاط؟! كيف وصل هؤلاء إلى تحقيق الذات ليتحركوا إلى قمة الهرم ويُبدعوا في المجال الإعلامي والتقني والعسكري والهندسي والأخلاقي؟!

بعد التأمل في الفارق بين الذين لم يتحركوا وينتفضوا للأسباب التي ذكرناها، وبين المقاومة في غزة التي تحركت بالرغم من عيشها تحت ذات الأسباب فإن قضية الأسباب تنهار أمام نظرية الحاجات، حتى نفهم أنها قضية مرنة تابعة ولاحقة لطبيعة الوعي. وأن نظرية هرم الحاجات لم تنتقض، ولكنها تعمل على أبعاد متعددة.

فالذين لم ينتفضوا هم الذين انساقوا وراء العالم المادي المباشر الذي أحاطهم به النظام من بنوك وقروض وقوانين وقبضة أمنية وتشويه إعلامي، هم الذين انجرُّوا وراء ذلك كلِّه فأثر فيهم وأقعدهم وأعمى عيونهم عن تحقيق الذات.

أما الذين انتفضوا في غزة وغيرها، فهم في حالة وعي مختلفة تجعل من فكرة الأمان مرتبطة بالمواجهة، وتجعل تقدير الذات يكمن بالانتماء إلى مشروع أكبر، وأن تحقيق الذات يكمن بالقدرة على رؤية الإنجاز والرسالة التي يقدمها الفرد بمواجهته لأعتى قوة طاغية في العالم. وكل ذلك بفعل التعبئة القيادية التي توافرت في غزة وأحاطت هؤلاء المقاومين ببيئة تسمو بالمفاهيم وتجعل من الآلام والأعباء مجرد وقود يساعدهم على رؤية الصورة الأكبر.

ويمكن ذلك جداً للأفراد حول العالم والذين هم خارج بيئاتِ تعبوية أن يقوموا بذات الشيء من خلال التعبئة الذاتية، حيث أن التعبئة من خلال قائد ومجموعة ومحيط غير متوافرة في الحالة الراهنة. فالحوادث أمامنا تضع الفرد أمام مسؤولية التعبئة لنفسه بنفسه، بالبعد عن العالم المادي الميكانيكي المجرد والذي تحكمه الحاجات الغرائزية، والمخاطرة بالبحث عن تحقيق الذات والمنجزات التي تساهم مباشرة بمعركتنا مع الصهيونية.

وهي كما أشار المفكر مالك بن نبي، الفعل هو ذلك الفعل الذي يأخذ ويعطي ويساهم في تشكيل التاريخ، وهذا ممكنٌ جداً في خضم المعركة مع الصهيونية، ليكون الفعل الحضاري هو الفعل الذي يأخذ ويعطي ويساهم في سقوط الصهيونية.

آدم سرطاوي-كندا