لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة الامريكية أن يرتجل حلولاً ومشاريع على مستوى العالم، بل كل شيء مدروس بإتقان، ومن قبل فريق كبير من المفكرين، الذين يرسمون الخطط القريبة والبعيدة في أمريكا، وهم غالباً لا يُخطئون.

يعلم دونالد ترامب أن مسألة ترحيل الفلسطينيين من غزة والضفة أمر مستحيل، ورغم أنه لا يهتم للقانون الدولي، ولا باتفاقية جنيف الرابعة، التي تعتبر التهجير القسري جريمة حرب، لكنه يهتم طبعاً لمصالح أمريكا، ولتنفيذ الخطط المرسومة، ويلعب دوره ببراعة للوصول إلى الأهداف.

خطاب ترامب عن ترحيل الفلسطينيين، اعتمد مبدأ “الهجوم خير وسيلة للدفاع” ويريد منه أمرين:
الأول هو تحويل العرب من موقع المهاجم، المطالب بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإنشاء دولة فلسطينية، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وحق العودة، ومعادلة “الأرض مقابل السلام”، إلى موقع المدافع، الذي يرفض تهجير الفلسطينيين، ويطالب بوقف الحرب.

بشكل أوضح، إن معادلة ترامب الجديدة، هي “السلام والتطبيع مقابل وقف الحرب ومنع تهجير الفلسطينيين”.

والأمر الثاني الذي أراد ترامب، هو إنقاذ نتنياهو، الذي تعرض بعد توقيع الإتفاق مع حماس، إلى حملة شرسة في الداخل الإسرائيلي، حيث تم اتهامه بالإخفاق والفشل في السابع من أكتوبر، ثم في حرب دامت أكثر من 15 شهراً، دون أن تقضي على حماس، أو تستعيد الأسرى، ورغم الدمار الكبير في غزة، خرجت حماس قوية وممسكة بالوضع على الأرض، هذا إضافة إلى تهم الفساد التي تلاحق نتنياهو، ومذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، باعتباره مجرم حرب.

بعد عاصفة ترامب، اختفى السجال داخل إسرائيل عن كل هذه المواضيع، وطغت مسألة ترحيل الفلسطينيين على النقاشات والتحليلات والمواقف.

أراد ترامب إشغال العالم بمسائل يعلم أنها مستحيلة، من ضم كندا وغرينلاند، والسيطرة على قناة بانما، وصولا إلى ترحيل الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية، وبناء ريفيرا الشرق في غزة.

هذا الخطاب يدغدغ مشاعر عدد كبير من الأمريكيين، والأهم أنه يشغل الإعلام والرأي العام والمسؤولين العرب، عن المواضيع الأساسية، ويجعلهم يشعرون أنهم انتصروا، وحققوا إنجازاً، بمنع تهجير الفلسطينيين، فيبيع ترامب للعرب إنجازاً وهمياً ومن “كيسهم”، مقابل موافقتهم على التطبيع مع إسرائيل، وفتح الطريق “طريق السلام” من الهند إلى الخليج مروراً بحيفا بوابة الشرق الجديد نحو أوروبا.

وفي خضم الفوضى السياسية والعاصفة الإعلامية التي أثارها ترامب، قد يسهل تمرير المشروع الرئيسي لإسرائيل، بضم الضفة الغربية، كما حدث بضم الجولان والقدس المحتلة.

هذا ما سيحصل إذا وقع العرب في فخ ترامب، وسر نجاح خطته تكمن في جر العرب إلى النقاش في هذا الأمر والدفاع عن موقفهم الرافض لترحيل الفلسطينيين.
والحل الوحيد أمام العرب ليس الدخول في نقاش مع الأمريكي حول هذه المسائل والتصريحات، بل بموقف حازم ورفض أي نقاش مع ترامب في هذه المسألة، واعتبار تصريحاته كأنها لم تكن، وحصر جدول أعمال أي اجتماع بين الرؤساء العرب وترامب أو الموفدين الأمريكين حول فلسطين، بضرورة وقف الإبادة، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، كمدخل لأي عملية سلام.

اكرم كمال سريوي