في قلب غزة، حيث تلتقي الرمال بالدماء، حيث يقف الإنسان وحيدًا في مواجهة آلة الدمار، لا نجد فقط صمودًا جسديًا، بل صراعًا أعمق وأكبر: صراعًا على الوجود ذاته. هنا، في ظلمة الحصار وهدير الانفجارات، تبرز حقيقة يحاول الكثيرون تجاهلها: القوة لا تكمن في السلاح وحده، بل في الإيمان الذي يتحول إلى فعل لا يتوقف.
غزة ليست مجرد أرض محتلة؛ إنها رمز لتحدي كل محاولات السيطرة على الإرادة الإنسانية. هي رسالة تقول للعالم: نحن قادرون على تجاوز المستحيل، نحن قادرون على تحويل الألم إلى طاقة تُولد من جديد، نحن قادرون على تحويل الحزن إلى قوة دافعة. وهذا لم يكن يتطلب أبدًا من غزة أن تطلب الإذن من أحد، لأنها تعلم أن الوجود حق غير قابل للنقاش.
الواقع في غزة يعلمنا أن الإنسان لا يُقاس بما يملك من أسلحة أو قوة عسكرية، بل بما يملك من إرادة تمكنه من النهوض بعد كل سقوط، ومن رؤية بصيص أمل حتى في أحلك اللحظات. في غزة، تظهر حقيقة جوهرية: ليست الانتصارات العسكرية هي التي تُشكل مستقبل الشعوب، بل إرادتهم التي لا تنكسر.
في لحظات الحصار، عندما يُغلق كل باب، تُفتح نوافذ أخرى. قد لا يراها الجميع، لكنها موجودة دائمًا. غزة، بصمودها، تُظهر أن الظروف التي يظنها البعض قاسية ولا تُقهر، هي في الحقيقة فرص لتعلم دروس عظيمة.
غزة لم تكن مجرد مكان يُحتل ويُهاجم، بل كانت فكرة حية، فكرة تحمل في طياتها روحًا لا تموت. هي رسالة إلى كل روح حرة في هذا العالم، تقول: لا تستسلم. لا تُسلّم مفاتيح أملك لأحد. حتى عندما يحيط بك الظلام، تذكر أن النور الذي تبحث عنه يكمن في داخلك.
الرسالة التي قدمتها غزة للعالم لا تكمن في كلمات، بل في قدرة شعب بأكمله على إعادة تعريف القوة. في تمسكه بالأمل رغم الجراح، وفي احتضانه للحياة رغم كل محاولات القتل. لقد علمتنا غزة أن الفشل ليس في الخسارة، بل في الاستسلام. وأن الهزيمة لا تأتي إلا عندما تتوقف عن المحاولة.
هذه الرسالة هي تذكير بأن الإنسان، في جوهره، لا يُقاس بما يملكه من أشياء مادية، بل بما يملكه من إيمان في نفسه. في غزة، الشعب ليس بحاجة إلى إذن من أحد لكي يقاوم، ليس بحاجة إلى ترخيص لكي يُظهر للعالم أن البقاء ليس مرهونًا للقوة العسكرية، بل لقوة الإرادة. غزة، بجراحها وآلامها، تُعلّمنا أن العالم يمكن أن يُعاد تشكيله، إذا نظرنا إلى ما وراء الظاهر، وإذا تسلحنا بقوة لا تُرى.
غزة اليوم ليست مجرد أرض تحت الحصار، بل هي قصة حية عن القدرة على الصمود، هي اختبار لكل من يعتقد أن الزمان والمكان يحددان ما يمكن للإنسان أن يحققه. في غزة، لا يوجد شيء مستحيل. فالأمل، مثل الزهور التي تنبت بين الصخور، يُزهر من بين الألم، ويكبر ليحطم كل القيود.
غزة، إذن، لم تكن مجرد مقاومة ضد الاحتلال، بل كانت مقاومة ضد كل محاولات قتل الأمل.
عندما نسمع عن غزة، لا نسمع فقط عن صواريخ أو نضال عسكري، بل عن إرادة حية تتحرك عبر كل جرح وكل روح. غزة هي الحلم الذي يقاوم العواصف، هي الأمل الذي يصرخ في وجه الظلام، هي النور الذي ينير دروبنا جميعًا، نحن الذين نبحث عن معنى للحياة في عالم مليء بالظلم.
وفي تلك الرسالة العميقة، توجد الحكمة التي تدفعنا جميعًا إلى الأمام. حكمة أن الحياة لا تُقاس بما يحدث لنا، بل بكيفية ردنا على ما يحدث. غزة تعلمنا أننا نملك القدرة على تغيير العالم، ببساطة، لأننا نملك الإرادة للبقاء.
إلى كل من يسعى لتحرير نفسه، من قيود الاحتلال الداخلي أو الخارجي، غزة هي المعلم الذي يذكرك بأن الحرية لا تأتي عندما تقتصر على الأبعاد المادية، بل تبدأ عندما تملك القلب الذي يرفض الانكسار.
**وها هي غزة تقول للعالم، بكل صراحة: “لم نهزم بعد، لأننا نؤمن بأن الحياة لا يمكن اختزالها في سنوات أو جغرافيا، بل في الإيمان الذي يحيا معنا
خالد دراوشه – الأردن