بعد مجازر دامية بحق الأبرياء في قطاع غزة لقرابة 470 يوماً من العدوان الصهيوني، وبعد جولات تفاوضية عدة سابقة، كان الاحتلال يعرقلها من خلال إضافة شروط جديدة في محاولةٍ منه لنسف جهود الوسطاء لإطالة أمد الحرب خدمة لمصالحه الذاتية والسياسية.

وبعد جهود مضنية وشاقة، ونجح الوسطاء في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي أعلنه وزير الخارجية ال قطري محمد بن عبد الرحمن الليلة الماضية رسمياً، ورغم ذلك فقد استمرت مراوغات رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني “بنيامين نتنياهو” للتلاعب في الصفقة حتى قبل دخولها حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل.

وتعقيباً على ذلك، يؤكّد عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال، أنّ “العدو يحاول دائماً انتزاع منافع يتباهى بها ويحولها إلى إنجازات، فقد استمر طوال العدوان في الترويج للنصر المطلق الذي زعمه من خلال القضاء على المقاومة الفلسطينية وهو من بين أهداف الحرب التي وضعها نتنياهو، ولكنّه في نهاية المطاف قد رضخ لشروط المقاومة وأبرم اتفاقاً معها من خلال الوسطاء”، مبيناً أنّ “الاحتلال عمل في الجولات السابقة على عرقلة هذا الاتفاق، ومن المتوقع أنّه سيعيق تنفيذ مراحله بوضع المزيد من العقبات”.

ويقول عبد العال، في حديثٍ مع “الهدف الإخبارية“، إنّه “بالرغم من وعود نتنياهو بتعويض اليمين المتطرف ببناء المزيد من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية، وترويجه للتطبيع مع السعودية وتهديده بضرب إيران، إلا أنّ تمرير الصفقة سيؤثر على استقرار الحكومة وارتفاع مؤشر التناقضات داخل الائتلاف الحكومي، إلى جانب القضاء على حلم الاستيطان في غزة والأفكار الإيديولوجية الصهيونية و”التلمودية” التي تؤيد ذلك، الأمر الذي سيجعل مصير نتنياهو وائتلافه الحكومي مهدداً”.

ويضيف: “العالم لم يعد يحتمل حكومة الاحتلال التي ارتكبت أكبر هزيمة أخلاقية من خلال القتل والقصف والتدمير والإبادة الجماعية الذي لا يمكن محو آثارها بسهولة”، لافتاً إلى أنّه لا بد من ملاحقة قادة الاحتلال ومحاكمة جنرالاته وعدم إفلات المجرمين من العقاب.

الملف التفاوضي

وبشأن الملف الوطني المتعلق بوقف الحرب، يبين عضو المكتب السياسي، أنّ “الجبهة الشعبية كانت أول من طرح فريقاً وطنياً للتفاوض الغير مباشر في ملف إنهاء الحرب، لكن التعقيدات الميدانية حالت دون ذلك، حينها جرى مقاربة الأمر بالتشاور المباشر مع الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس الموكلة في هذا الأمر”، موضحاً أنّ “الجبهة مهتمة بهذا الملف وتقوم بتقديم الآراء وتقدير المواقف التي تجدها تصب في المصلحة الفلسطينية العليا، بمضمون وطني بعيداً عن أي مظهرية أو شكلية”.

ويلفت عبد العال، إلى أنّ “الجبهة تعتز بتلاحمها العضوي مع شعبها بكل المستويات الاجتماعية والكفاحية والسياسية من خلال تقديم الشهداء في مختلف جبهات المواجهة وتحديداً بغزة ولبنان والضفة، والتي تجسد وحدة الميدان والكلمة”، مبيناً أنّ “الشعبية كانت حاضرة في الدفاع عن شعبها بالاشتباك الميداني والسياسي”.

وفي انتظار اللحظة التاريخية التي سيبدأ فيه سريان الاتفاق، يوضح القيادي في الجبهة، أنّه “عندما تتوقف الحرب سنتذكر الأحبة الذين افتقدناهم ولن ننساهم، فهم من دفعوا الثمن الغالي من أرواحهم ودمائهم، سنقف إجلالاً للشهداء الذين صاغوا سردية العزة في غزة، وسنحني رؤوسنا تعظيماً لكل أطياف شعبنا من رجال ونساء وشيوخ وأطفال وفتية الذين صمدوا في وجه طغاة العالم”.

ويشدد عبد العال، أنّ “النصر والهزيمة هي ليست مجرد خطاباً أو سبقاً صحفياً أو منافسة إعلامية، بل هي مسألة تبنى بعيداً عن العاطفة، لذلك لا يمكن إنكار أنها حرب كارثية لا نظير لها، وقد تركت خسائر فادحة نتاجاً لجنون القوة التي استخدمها الاحتلال في إضعاف الروح الوطنية والإرادة الشعبية والوعي المقاوم، ولكنه فشل في تحقيق ذلك”، لافتاً إلى أنّ “الحرب كانت انتصاراً لقضية فلسطين التي تحولت إلى فكرة تحرر وطني في أوسع تضامن وتأييد دولي وعرّت الكيان وقادته كمجرمي حرب أمام العالم”.

لجنة وطنية تواجه مخططات مشبوهة

وبخصوص لجنة الإسناد المجتمعي والآمال المعلقة عليها، يوضح عبد العال، أنّه “منذ الأشهر الأولى للعدوان بدأ الحديث عن “اليوم التالي” للحرب، وكان الرد دائماً أنّه سيكون فلسطينياً بامتياز بتشكيل حكومة توافقية، خاصة في ظل رفض الاحتلال باستمرار حكم حماس في غزة أو تسليمها للسلطة الفلسطينية”، مبيناً أنّ “الاحتلال يطرح مشاريع بديلة وخطيرة، فكان لا بد القيام بخطوة فلسطينية إجبارية واستدراكية تقطع الطريق على المخططات المشبوهة التي ينوي تصميمها للمشهد الجديد بعد الحرب”.

ويردف عضو المكتب السياسي، أنّه ” مصر قدمت مبادرة للفصائل لتشكيل لجنة إسناد مجتمعي لإدارة القطاع بعد العدوان، وقد جرى نقاشها وتم ترشيح شخصيات وطنية مستقلة لها”، مشيراً إلى أنّه “قد تشبثنا بمطالب تتوافق مع المسار الوطني تحت أجندة واضحة، بعيداً عن الانعزال والتفرد”.

ويلفت عبد العال، إلى أنّ “دور لجنة الإسناد هو القيام بخطوات أولية لمساندة غزة حتى الوصول إلى تشكيل حكومة توافق وطني التي تعيد بناء المؤسسات الفلسطينية ثم تفعيل وبناء منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد كما ورد في إعلان بكين”.

وفي ختام حديثه مع “الهدف“، يبين القيادي في الجبهة، أنّ “شعبنا في قطاع غزة قد بقي وسيبقى متجذراً في أرضه ورافضاً لأي مخططات رامية إلى تهجيره”، لافتاً إلى أنّ “غزة قد علمتنا معنى أن تكون فلسطينياً وكيف تكون عربياً بل مغزى أن تكون إنساناً، كما كتبت غزة الأبية السطر الأعظم في السردية الفلسطينية في إفشال حرب العدو وأهدافه الوحشية”.

أحمد زقوط-غزة

المصدر: بوابة الهدف الإلكترونية