قام السيد تيم إيتون (TIM ETON))، الباحث في معهد تشاتام هاوس، بمقارنة التحديات التي واجهتها ليبيا بعد القذافي مع تلك التي تواجه سوريا بعد الأسد، مشيرًا إلى الشكوك حول قدرة “النظام الجديد” في سوريا على تحقيق استقرار سياسي دائم.
في التقرير، أُعرب عن تفاؤل حذر من قِبل السياسيين الإقليميين والدوليين بشأن بناء “سوريا جديدة”. وذكر وزير الخارجية البريطاني في 9 ديسمبر أمام البرلمان أن بلاده لا تريد أن تصبح سوريا مثل ليبيا، التي تجزأت وأصبحت عرضة للجماعات الإرهابية.
التحديات التي تواجهها سوريا أعمق وأكبر مما واجهته ليبيا بعد عام 2011. فالقذافي أطيح به بعد أقل من عام من الصراع، مما ترك العديد من البُنى التحتية للبلاد سليمة. كما أن المتمردين في ليبيا كانوا يصدرون النفط حتى قبل الإطاحة بالقذافي.
أما الأسد، فقد أطيح به بعد عقد من الصراع، مما أدى إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والعرقية في سوريا، التي أصبحت أكثر تعقيدًا مقارنة بليبيا حسب تعبير الكاتب.
الاقتصاد السوري يعاني من انهيار تام بعد سنوات من العقوبات، إضافة إلى التجزئة الفعلية في البلاد. في شمال سوريا، تُستخدم الليرة التركية كعملة رسمية، بينما تقع موارد النفط تحت سيطرة الأكراد. هذا الوضع يترك سوريا بلا قاعدة اقتصادية مشتركة يمكن أن توحد الفصائل المتنافسة. أما في ليبيا، فإن الاعتماد الكبير على النفط خلق نوعًا من الاعتماد المتبادل بين الأطراف المتصارعة.
على الرغم من التباين، توجد تشابهات أمنية بين البلدين؛ إذ يسيطر عدد من الفصائل المسلحة على مناطق واسعة في كل منهما. في سوريا، تهيمن “هيئة تحرير الشام”، لكنها تواجه منافسة من فصائل أخرى ذات مصالح متضاربة، مثل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية”.
في ليبيا، فشلت الجهود لتوحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع. بدلاً من ذلك، سيطرت هذه الفصائل على المؤسسات الحكومية، وأصبحت تقريباً جميعها تابعة للدولة ومعترف بها كقوات نظامية. ورغم استمرار التنافس وسلاسل القيادة المتعددة، فإن هذه الفصائل تتعاون وتتنافس ضمن بيئة أمنية شديدة التعقيد. أدى هذا الوضع إلى إنشاء تحالفات غير رسمية، حيث يوفر السياسيون الموارد لهذه الفصائل لكسب رضاها.
في سوريا، تواجه محاولات “النظام الجديد” لتوحيد الفصائل المسلحة تحت وزارة الدفاع تحديات كبيرة بسبب غياب الإجماع بين الفصائل المختلفة.
يلعب اللاعبون الخارجيون دوراً محورياً في كلا البلدين. في ليبيا، دعمت دول مثل مصر، الإمارات، وروسيا خليفة حفتر الذي يسيطر على شرق البلاد، في حين ترتبط غرب ليبيا بعلاقات مع تركيا. هذا الوضع يخلق توازناً هشاً يعتمد على مصالح متضاربة. أما في سوريا، فقد يواجه اللاعبون الخارجيون تعقيدات إضافية بسبب الخلفية المثيرة للجدل لبعض الفصائل المسلحة، مثل “هيئة تحرير الشام”.
من الحالة الليبية يمكن استخلاص درسين:
غياب الإجماع الدولي يجعل الاتفاقات الداخلية هشة. كما أن تنافس اللاعبين الخارجيين، مثل مصر، الإمارات، وروسيا، قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات في سوريا، كما حدث في ليبيا.
فقدان القيادة السياسية السيطرة على الفصائل المسلحة يؤدي إلى تعقيد الوضع. في ليبيا، فقدت القيادة السياسية السيطرة على الفصائل المسلحة، مما أدى إلى انقسام البلاد بين شرق تحت سيطرة حفتر وغرب يسيطر عليه فصائل أخرى. في سوريا، يبدو أن الائتلاف الوطني السوري يتبع نهجاً مشابهاً، حيث يبتعد عن السيطرة المباشرة على الفصائل العسكرية، مثل “هيئة تحرير الشام”.
يبقى السؤال ما إذا كانت سوريا ستواجه نفس المصير الليبي، حيث تسيطر الفصائل المسلحة على البلاد، وتصبح القيادة السياسية مجرد واجهة غير قادرة على توجيه الأحداث. مع تعقيدات الوضع السوري وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، يبدو أن الإجابة ستتطلب مراقبة دقيقة للتطورات المقبلة.

موقع طوفان