بيروت؛ ٥/ ٨/ ٢٠٢٤
التهويل والتطبيل والتزمير جارٍ على قدمٍ وساق.
المبصّرون والمنجّمون والضاربون بالرمل من كل فجٍّ عميق.
الكلام والتهويل يلقى على عواهنه فالإعلام فلتان ، والشبكات والوسائط تُهدَر بسيول وطوفانات التنظيرات.
لابأس؛ إنها حرب وجودٍ ومصير.
ما يهمنا هو ليس زمن الرد ولا عصفه ولا إن كان من كل الجبهات أو كان متدرجاً ومتصاعداً.
المهم أن تدرس استراتيجيات العدو وأن تعرف نقاط قوته وضعفه وأن يجري التعامل معها بحكمة وأن يكون الرد كاسراً لعناصر قوته الاستراتيجية والمنطقي أن تضربَ في نقاط ضعفه.
“إسرائيل” في حروبها مع المقاومة خسرت كثيراً من عناصر قوتها التكتيكية والاستراتيجية إلا أنها غيرت من استراتيجياتها وتكتيكاتها تكيفاً ،وفي محاولة لاستعادة بعض القوة والمبادرة.
سقطت استراتيجيات فرض الشروط بالاحتلال وخرجت من لبنان وغزة، ورأسها بين أفخاذها وخسرت في حروب غزة وحزيران ٢٠٠٦ أهم عناصر قوتها التي كانت عبر فرض شروطها بالقوة وبالذراع الطويلة والحرب السريعة وفي أرض الخصم وباستراتيجية الصدمة والترويع.
حاولت استعارة تكتيكات حروب المقاومة والعصابات الثورية فتكيفت وسعت عبر المعارك بين الحروب واخفقا.
حافظت وعززت استراتيجيات الحرب السرية والاغتيالات ، فلها حلفاء نافذون وقادرون ويمتدون من أمريكا والأطلسي إلى نظم وأحزاب وجماعات عربية وإسلامية واختراقات في الدول والنخب الحاكمة وفي فصائل ودول محور المقاومة.
فحيث تكون أميركا ومحبوها ومحبذو نموذجها تكون “إسرائيل”.
تصل يدها الغادرة في الحرب السرية وتغتال وقادرة ولم ترتدع ولم تلقى عقاباً صارماً فتستمر ومستمرة وقد تحاول وبعد هنية وشكر فلا سقف أو خيمة على رأس أحد.
لا تزال لإسرائيل عناصر قوة نوعية فذراعها طويلة وطائراتها وصواريخها قادرة على الضرب أينما قررت وببطش وقوة تدميرية وأيضاً ليس لأنها قوية بل لأنها تموَّل وتسلَّح وتُحمى من أميركا وأحلافها والكل يقاتل معها وفي خدمتها.
السؤال؛ هل لدى المقاومة والمحور القدرة والإمكانات لكسر ذراعها الطويلة و جعلها تدفع ثمناً يلجمها من الاستمرار في استراتيجية الاغتيالات والحرب السرية.
الجواب القاطع نعم بل والأمر أيسر مما يتوقعه الكثيرون.
فالردع لا يحتاج إلى صواريخ فرط صوتية ولا الى مقذوفات كهرومغناطيسية ومسيرات وصواريخ دقيقة الإصابة وتدميرية وهذه تملكها المقاومة وأعلنت عنها.
الأمر لا يحتاج إلى أن تعصف الحرب وتتحول الى حرب يوم القيامة والتدمير الواسع.
ببساطة كلية ، تحتاج المقاومة وخاصة من جبهة الشمال والشرق إلى إعادة تفعيل تجربتها والاستفادة من دروسها.
هل تذكرون عملية بدر الكبرى ١٩٨٧ وأخواتها.
وقد دشنت فتْحاً استراتيجياً في الصراع العربي الصهيوني وشكلت نقاط التحول التي أدت إلى نصر ال٢٠٠٠ الإعجازي.
هو التكتيك ذاته المطلوب والقادر على لجم نتنياهو وحرمان “إسرائيل” مما بقي لها من عنصري قوة الذراع الطويلة وحرب الاغتيالات.
الكل يتفاصح ويحدثنا عن أزمة الجيش الإسرائيلي الذي خسر نصف دباباته والذي يعاني من نقص القوة البشرية.
هذه هي مقتلة “إسرائيل” وجيشها ونتنياهو وحكومته المتطرفة وبهذه يخسر الحرب الوجودية فالسر غير المخفي هو الجغرافيا والبشر والاشتباك من مسافة صفر.
في المسافة صفر يتقرر مستقبل الكيان ويستعجل زمن انهياره وخسارته لوجوده.
في المسافة صفر ينتصر الحق على الباطل والمجاهد الساعي إلى النصر أو الشهادة على المرتزق والمستوطن والساعي إلى الحياة الدنيا.
في المسافة صفر يهزم الجيش الإسرائيلي ويتكبد الخسائر الفادحة في غزة .
ومن ذات المساحة سيخسر كل شيء.
لماذا لم تلجأ المقاومة إلى تكتيكات الاشتباك من مسافة صفر؟؟
ومتى تعود وتهتدي إلى تجربتها هي ودروسها.
فماذا تفعل ال F35 عندما يجري الاشتباك من المسافة صفر.
وما الذي يفيد إسرائيل ذراعها السرية والاغتيالات.
وما الذي تنجزه الحشود البحرية الامريكية الأطلسية وقد أعلن السيد ان المقاومة أعدت لها المناسب.
عند اول اشتباك من مسافة صفر سيرتعب نتنياهو وتهتزُّ حكومته وربما تسقط وسيبدأ جيشها المنهك والمأزوم بالتفكك والامتناع عن الخدمة وترك المواقع والهرب.
فإلى المسافة صفر حيث ينسج النصر وتكسب حرب الوجود والمصير.
أما التقاصف والحرب التقنية والصواريخ والمسيرات فمهما بلغت قدرات المقاومة ومحورها لن تجاري قدرات أمريكا والأطلسي والنظام الأنجلوساكسوني حليف “إسرائيل” والمقاتل معها.
الجغرافية والاشتباك من مسافة صفر والإغارة وتحرير المواقع وأسر وقتل من فيها ونسفها والانسحاب هو التكتيك والسلاح الفعال والرادع والأقل كلفة والأسرع نتيجة.
فالاشتباك المباشر ومن مسافة صفر ورجل لرجل والاستفادة من عاملي الجغرافية والثروة البشرية حل ناجح ومجرب وقد أثمر تحرير لبنان وتحرير غزة وهو الطريق إلى القدس وقد زفَّ عليه الشهداء.

ميخائيل عوض-بيروت