“*بغداد، طرابلس، سوريا.. who’s the next..
من قلب بغداد، بتاريخ 9 أفريل 2003، مرورا بطرابلس والساحة الخضراء بتاريخ 27 أوت 2011 وصولا الى دمشق بتاريخ 18 جويلية 2012 وتفجير مقر الأمن القومي السوري واستشهاد وزير الدفاع السوري ونائبه آصف شوكت وحسن تركماني رئيس خلية ادارة الأزمة، وهم أكثر رجال تهابهم حكومة الكيان الصهيوني وهم ايضا أرقام مدرجة على لوائح الاغتيالات لهذا الكيان، وحتى لحظة اعلان رحيل الرئيس بشار الأسد وانتزاع سوريا من سوريا يوم التاسع من ديسمبر 24، المشهد واحد، المخطط واحد، الآمر واحد، الممول واحد، والمنفذون منا، أمراء الحرب بالوكالة، وفرق القتل وتدمير الأوطان باسم لا ألاه الا الله ورفع راية الإسلام..
من ملجأ العامرية وتفجيره بالكامل واستشهاد من لاذ به هربا من جحيم امريكا في سماء بغداد، يعني أكثر من أربع مائة معظمهم أطفال ونساء بF 17 ، في 13 فيفري 91، مرورا بمذبحة الحولة بحمص، في 25 ماي 2012، حين قُطعت حناجر الأطفال على أيادي فرق الموت “الإسلاميين”، وراح أكثر من 110 من الأطفال والنساء الأبرياء ضحايا بلا سبب، الى قرآن العلامة البوطي المخضب بالدماء في أولى ساعات الفجر وتفجير الجامع الأموي، ووصولا الى جرائم السلخ والتمثيل بالجثث في ليبيا وخصي عناصر الجيش التونسي في جبال الشعانبي بعد ذبحهم، آلاف من المشاهد المروعة والجرائم والدمار، بشاعة تُفْضِي الى الاختبال وفقدان الانسان لإنسانيته، الى ما لا نهاية، المشهد واحد، المخطط واحد، الآمر واحد، الممول واحد والمنفذون منا،
وَحْدَهُ الشعار تغير: من to saddam with loveالمرسومة على صواريخ التوماهوك الأمريكية، الى: لا الاه الا الله والتكبير والتسابيح، ومن قناع المارينز الأخضر الى اللحي السوداء والقمصان البيض..
كيف حصل لنا هذا ونحن نهتف باسم ثورات الحرية، والكرامة، أيعيش البشر حرا وكريما في وطن محتل ومسبي وذليل ؟؟..
تقول ليزي فلان، الصحفية البريطانية، مبعوثة PressTV في طرابلس، “… أبدا لم يكن هناك أي ثورة في ليبيا ما عدى مظاهرات متناثرة هنا وهناك لقلة قليلة من الشبان وبعض الشعارات، المظاهرات كانت شبيهة بمظاهرات ضواحي باريس في 2007 ، الفارق الوحيد كان السلاح وانتشار الميليشيات، نعم المظاهرات في ليبيا كانت مسلحة كما هي في سوريا، وقالها الشهيد القذافي ولم يصدقه أحد لأن خطاب الساحة الخضراء وقع اقتطاعه وإعادة تركيبه على مقاس أستوديوهات الجزيرة وحكام خيمة قطر وشركاء الدمار العربي، قبل بثه.
وتواصل ليزي فلان: ” كنت هناك وسط الساحة الخضراء، ولم أرى فيها ما ينبئ بسقوطها بل الكل فيها كان يهتف باسم الرئيس القذافي، والأعلام الخضراء كانت تملأ الساحة..”، ساعتها كانت الجزيرة تبث صور لــ”ثواردخلوا طرابلس فاتحين”، في الحقيقة لم تسقط طرابلس الا في الاعلام الخليجي المتصهين وعلى رأسه الجزيرة أو في الاعلام الغربي وبعض صفحات الفايسبوك، فتناقلته الجماهير الغبية واعتقدت أن هناك ثورة ليبية وأنها انتصرت. أبدا لم تسقط طرابلس كما لم تسقط بغداد من قبل ولا دمشق الآن، الا عبر الصورة وفي ذهن المواطن المخدوع والأبله، هكذا هي الحرب: خدعة، صُوِرَ مركبة لسقوط العواصم وتراجع الجيوش وتشتت القيادة، ومن CNNفي العراق الى الجزيرة في ليبيا، انطلت الحيلة من جديد كما لم تنطلي من قبل.
في ذاك التاريخ لم تنجح هذه الآلة الاعلامية الرهيبة مع سوريا الا نسبيا، وخاصة في بداية الهجمة، مع سوريا اشتغلت الماكينة الاعلامية للبنتاغون وحلف الناتو أكثر وبضراوة وعدوانية بل شيطانية. رصدت هوليود كل تقنياتها لسوريا، كل دمشق، بتفاصيلها وشوارعها ومبانيها، أعيد تركيبها ومحاكات مظهرها بدقة في استوديوهات في الدوحة وعينتاب تحت اشراف الجزيرة والأجهزة الأمريكية المختصة. كل الامكانيات رصدت وجندت، حتى يمر سقوط دمشق كما مر سقوط بغداد وطرابلس، مجرد مشهد تلفزيوني وفايسبوكي، ولكن العقل السوري كان بالمرصاد وانتصر على المؤامرة فجند كل طاقته وامكانياته ولم يترك لها أي أثر، دمشق لم تسقط حينها وصمدت وقاومت لأربعة عشر عاما قبل أن ينالوا منها على غفلة وبعد الطوفان والصمود الاسطوري لجنوب لبنان، ولكن هل تغفل الأوطان أمام هذه الريح العاتية من التهافت وآلاف الخناجر والسيوف مشهرة على الشام؟؟..
في الهجمة الأولى على دمشق، ما انفك تيري ميسان المفكر الفرنسي الحر، عن التصريح والادلاء بشهاداته واعادة تركيب المشهد في بعده السوري السوري والاقليمي والتاريخي وفي علاقته بالصراع مع الكيان الصهيوني ومواجهة التوحش الرأسمالي للإمبراطورية الأمريكية، حتى يفهم العالم ويفهم الناس أن ما يحدث في سوريا هي مؤامرة وأن هذا “الربيع العربي” هو أساسا مفتاحا لأبواب الشرق ودمشق العصية، فالحرب على سوريا بُرمجت وعُدَّت عُدَّتها من 1991، نعم، كَسْر طوق المقاومة وعمادها كان دائما على رأس أولويات واشنطن، واعادة المونتاج الجغرافي والاثني
والديمغرافي للمنطقة هدفا لم يتغير مع الزمن بل أُجِّلَ لاقتناص فرصة الاجهاز المريحة. لم يستمع أحد من النخب ومن السياسيين العرب لتيري ميسان، ولم ينتبه أحد لميشال كولون، وكأنهم أكثر عروبة منا وأكثر تشبثا بحرية وسيادة وكرامة أوطاننا. تيري ميسون أستاذ العلاقات الدولية ومؤسس شبكة فولتير، ومنذ اندلعت الحرب على سوريا، لم يترك أي حدث الا ووضعه في اطاره ولم يترك أي خبر الا وصححه وصوبه ولم يترك أي موقف الا وحلله وفكك شيفراته، كان بمثابة المرآة العاكسة للحقيقة بينما كنا نتوغل في الظلالة بضمائر مرتاحة لأننا لم نفعل شيء سوى استقاء معلوماتنا من المرصد أو من الجزيرة أو العربية أو فرانس 24، فلما نهتم ونغتم؟!.
لم نتساءل للحظة لما صار الجيش العربي السوري جيش الانتصارات على العدو يسمى جيش بشار، والأمن السوري شبيحة بشار، والدولة السورية نظام بشار؟؟ وشراذم القتلة والمرتزقة من كل الجنسيات ثوار؟؟.. – يتبع–
• * Coluche
هند يحي–تونس