• يبدو الحديث عن هجوم للجماعات المسلحة المناوئة للدولة السورية بقيادة جبهة النصرة نوعا من التغطية على حقيقة ما يجري، كما يبدو التركيز على الدور الأميركي والاسرائيلي في ترتيب الهجوم ورعايته والاستثمار فيه ضروريا لتظهير وظيفة الهجوم والجهة المستفيدة منه، لكن التوقف هنا يصبح نوعا من التهرب من مواجهة الحقيقة القاسية، وهي أن ما يجري هو هجوم تقوده الدولة التركية بجيشها واستخباراتها ومواردها البشرية والمالية والعسكرية، التي لا تستطيع سورية وحدها مواجهتها، ذلك أن ما جرى لم يعد خافيا بعد الكلام التركي الرسمي العلني الذي يتبنى ما يجري ويستثمر فيه علنا، عشية تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لمهامه، على خلفية قرار انسحاب أميركي من سورية، وتخل عن الجماعات الكردية المسلحة وانفتاح على فرضية القبول بتفويض روسيا بملف مواجهة الإرهاب والحل السياسي معا، والهدف واضح سعي تركي لتقديم أوراق الاعتماد للرئيس الأميركي بالقيام بالمهمة التي تمنع عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي تأمين المصالح الاسرائيلية عبر سورية، خصوصا ما يتصل بقطع طرق إمداد قوى المقاومة وخصوصا المقاومة اللبنانية.
  • الاهتمام الإيراني بما يجري في سورية، ليس ترجمة لاهتمام ايراني بتوسيع النفوذ أو الدفاع عن مكتسبات، لأن طهران لا تملك ترف التفرج واقامة الحسابات، فكل شيء على المحك، لأن سورية هي القلعة الاستراتيجية للأمن القومي الايراني، حيث انتصار مشروع أردوغان مسقوف بشرط وضعه الأميركي و الاسرائيلي وهو اخراج ايران، وقطع طريق امداد المقاومة، وعزل إيران عن فلسطين، واستنهاض مناخ مذهبي فتنوي في المنطقة سرعان ما ينفجر في العراق حربا اهلية، ويهدد بانتعاش الجماعات الارهابية في المنطقة كلها، وإيران هي الجهة التي يبني على التحريض ضدها قادة هذه الجماعات خطابهم، وسوف تكون وجهة للاستهداف حكما، ولذلك يفترض ان القيادة الايرانية تقيم حسابات شبيهة بتلك التي أقامها القائد الشهيد قاسم سليماني قبيل معركة حلب خريف عام 2015، عندما توجه الى موسكو مخاطبا الرئيس الروسي بالدعوة للتعاون في الانتصار لسورية، ولو كان الثمن المخاطرة بمواجهة إقدام واشنطن على إلغاء الاتفاق النووي الذي كان قد تم توقيعه قبل شهور قليلة، وصولا الى كلام الإمام الخامنئي تفسيرا لحجم الاهتمام بانتصار سورية، بقوله، لو لم نقاتل في دمشق كان علينا أن نقاتل في مشهد، وليست القضية هي كيف توازن ايران بين ايلاءالأهمية للمواجهة مع كيان الاحتلال وتدعيم صمود سورية، بل كيف تخوض معركة الانتصار في سورية لأنها بالتحديد معركة هزيمة المشروع الاسرائيلي الذي يشكل الهجوم التركي حبل النجاة له بعد الفشل في غزة والهزيمة في لبنان، فهل ترفع ايران الكارت الأحمر بوجه تركيا، وتقول للرئيس التركي ان عليه الاختيار بين التحالف مع النصرة والتحالف مع ايران لأنه يستحيل الجمع بين التحالفين؟
  • روسيا التي تخوض حربا قاسية في أوكرانيا يحشد فيها الأميركيون والأوروبيون مالا وسلاحا، تدرك أن أي انتصار في أوكرانيا قد يضمن لها مكانة فاعلة في المعادلة الأوروبية، لكنه لن يجعل منها قوة عالمية عظمى، كما صنعت لها سورية هذه المكانة، كما تدرك موسكو أن نسبة غير قليلة من الجماعات التي يقاتل بها الرئيس التركي هي من أصول وجنسيات تمتد على مساحة دول الاتحاد السوفياتي السابق وان انتصارها سوف يعني اشتعال الجوار الروسي، وظهور تحديات أمنية وجودية، وان أمن موسكو يضمن من دمشق كما قال الرئيس بوتين خلال سنوات الحرب الأولى في سورية وعليها، بل ان ادراك اوكرانيا لأهمية حرب سورية ودور اوكرانيا في تنسيق وتحضير الهجمة التي تقودها تركيا، يعني ان حلفا بين تركيا و اوكرانيا سوف يحاصر روسيا اذا انتصر الرئيس التركي في سورية، ولذلك فإن عالمية روسيا وانتصارها بأوكرانيا يمران من نصر سورية المشروط بحجم دعم غير مسبوق مطلوب من روسيا، والدعم هنا ليست فقط بالتسليح والغطاء الناري، بل بالموقف السياسي الذي يدرك ان اللحظة هي لمفترق ينتظر تركيا على موسكو أن ترفع فيه الكارت الأحمر وتقول، أما التحالف مع روسيا او التحالف مع النصرة، فهل تفعل؟
  • الكلام العربي الإيجابي تجاه سورية ومواجهة الإرهاب بصورة معاكسة للسلوك العربي خلال الحرب الأولى، لا يغير من حقيقة حجم التحدي الجديد، وبالرغم من علاقات أغلب النظام العربي بواشنطن وهروبه من مواجهة تل أبيب وتوهم بعضه بالقدرة على التساكن مع تغيير في سورية، فإن الديناميكية التي سوف يطلقها انتصار المشروع التركي بنسخة النصرة في سورية سوف يغير وجه المنطقة، فالعراق سوف يشهد انقلابا في توازنات قائمة، وسوف تستنهض جماعات نظيرة للنصرة تحت لواء الاهتمام التركي بضم الموصل وكركوك، ومثله الأردن سوف يكون إسقاط النظام أولوية تمهد لمشروع الوطن الفلسطيني البديل، ومصر لن تستطيع تفادي عودة تيار الإخوان المسلمين الى الشارع وانفجار اضطرابات لها

أول وليس لها آخر، لأن حجارة الدومينو تبدأ وتنتهي حركتها وفقا للنتيجة التي تظهر فيها الخريطة السورية، ومخطئ من يعتقد انه مطالب بدعم سورية، لأنهم جميعا مطالبون بالدفاع عن استقرار دولهم، والمدخل واضح، رفع الكارت الأحمر بوجه أردوغان، الذي بذل الكثير لتطبيع علاقاته العربية والذي يجب أن يفهم استحالة بقاء هذه العلاقات على حالها ما لم يقم باعادة النظر بخيار الحرب على سورية.

  • قد ينخدع البعض باللغة الناعمة التي تصدر عن قائد جبهة النصر، سواء نحو الحكومات العربية او نحو المكونات الطائفية والاجتماعية، فهذه لغة مدروسة لضمان التوسع والتثبيت، وبعدهما سوف تعود السكين للذبح، وربما يكون على بعض اللبنانيين الفرحين بما يجري في سورية التمهل قليلا قبل المبالغة في الشماتة.
  • على الهامش غريب ان لا يخجل المدافعون عمن النصرة ويصفونها بحركة الشعب السوري، عندما يقولون على الفضائيات العربية أن أهم عنصر في التوقيت وتفسير التقدم السريع للنصرة يعود الى الحروب التي خاضتها اسرائيل بوجه محور المقاومة، وهي الحروب التي لم تقل فيها النصرة كلمة واحدة، ثم بعد لحظات ينتقلون لفقرات ثانية من الحضور العالمي يلبسون فيه قبعة التحليل عن المقاومة في غزة؟

نقاط على الحروف
ناصر قنديل