التعليق السياسي – كتب ناصر قنديل
يمكن القول أن محور المقاومة خرج منتصرا بحصيلة عشرة شهور من المواجهة، ما دفع بالقيادة الأميركية والإسرائيلية إلى نقل المواجهة إلى درجة أعلى، إذا اعتبرنا أن الشهور العشرة الماضية كانت منازلة بين جيوش البر في جبهتين، جبهة كيان الاحتلال مدعومة من الجيوش الأميركية التي تولت المساندة في البحر الأحمر وفي مواجهة الصواريخ والطائرات المسيرة الايرانية، اضافة لتأمين المال والسلاح والذخائر والحماية القانونية والدبلوماسية والسياسية لجيش الاحتلال، وبالمقابل جبهة قوى المقاومة ومن خلفها إيران، وقد تجلت نجاحات محور المقاومة بداية بالردع مع الرد الايراني الكبير، وصولا الى فشل متعدد للحلف الأمريكي الإسرائيلي في السيطرة على غزة وتصفية المقاومة فيها واستعادة الأسرى منها، كما فشل في تأمين عودة مستوطني شمال فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم، وفشل في تأمين عبور آمن للسفن المتجهة نحو موانئ كيان الاحتلال وخصوصا إيلات (أم الرشراش)، بينما كانت النجاحات الوحيدة لجيش الاحتلال مدعوما من واشنطن مزيدا من قتل النساء والأطفال وتدمير المستشفيات والمدارس ومراكز إيواء النازحين.
من حيث لا ينتبه صناع القرار في واشنطن وتل أبيب تتجه الجولة الجديدة من المنازلة التي تبدو في الظاهر حرب قصف بصواريخ ودمار، بينما هي في الواقع منازلة بين قدرة المجتمعات على تحمل النيران الواصلة الى العمق حيث المنشآت الحيوية لدورة الحياة، وحيث الانفجارات فوق رؤوس السكان ولو لم تكن التجمعات السكنية أهدافا بعد.
عمليا ثمة قدرات نارية عالية على الطرفين، سواء من زاوية امتلاك أدوات ايصال الرؤوس المتفجرة، أو أحجامها وقدرتها التدميرية، أو كثافة إطلاقها، ولن يكون بمستطاع أحد الفريقين ضمان منع نيران الطرف الآخر من اختراق دفاعاته، وهذا يعني حتى عندما تكون الاستهدافات متجهة نحو منشآت عسكرية أو شبه عسكرية، ان الجهة التي سوف تقرر حصيلة الجولة ليست الجيوش، بل المجتمعات التي تتفاعل مع الحرب وتعيش يومياتها في مدنها وقرب مساكنها، وتتوقف دورتها الاقتصادية وتتعطل بعض خدماتها، فهل يمكن مقارنة حال داخل الكيان المنهك والذي تآكلت فيه روح الحرب والمنقسم بقوة حول خيار الحرب وحول هوية الحكومة ورئيسها، أن يتحمل بحجم ما يستطيع التحمل مجتمع المقاومة المتماسك مع قيادة المقاومة والمتمسك بخيارها، والذي تقول استطلاعات الرأي أن ثقته بها ارتفعت أضعافا خلال الحرب عندما كانت الاستطلاعات المقابلة تتحدث عن خسارة قيادة الكيان أكثر من ثلثي التأييد الذي جمعته بداية الحرب؟
يكفي لتسهيل المقارنة أخذ مثالي لبنان واليمن مع الكيان في مجال الكهرباء، أو الموانئ او المطارات، اذا ما تدحرجت المواجهة إلى هذا المستوى وقد بدأ الكيان باستهداف اليمن بخزانات النفط ومحطة كهرباء وميناء، واليمن مثل لبنان محروم من الكهرباء منذ سنوات ويعتمد على المولدات، بخلاف الكيان الذي يكفي ضرب محطات الكهرباء فيه حتى يدخل في حال من الغيبوبة وتتوقف جبهته الداخلية عن العمل، ومستوطنوه قد اعتادوا حياة الرفاهية ولم يتعرضوا من قبل لحرمان مواز لما اعتاده اللبنانيون واليمنيون، فلمن سوف تكون الكفة الراجحة في قدرة التحمل والتماسك والتمسك بالخيارات؟

مختار من جريدة البناء اللبنانية.

ناصر قنديل-بيروت