يمثل توغل جيش الكيان والفرق الخاصة المتزايد في الضفة الغربية والتضييق على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية محاولة واضحة لفرض واقع جديد يخدم أجندات الكيان المحتل. ورغم أن هذه التحركات تُظهر سعي الاحتلال لتحقيق مكاسب استراتيجية مرحلية، إلا أنها تكشف في العمق عن حالة من التخبط وغياب الرؤية طويلة المدى، خاصة في ظل تزايد المقاومة الشعبية والتحديات الداخلية.

الأبعاد الاستراتيجية لتحركات الكيان

من منظور استراتيجي، يسعى الكيان إلى تغيير المشهد الجيوسياسي والديمغرافي للضفة الغربية والقدس. التوغل العسكري في الضفة ليس مجرد تكتيك أمني، بل خطوة لتعزيز الهيمنة على المناطق الحيوية وتقويض أي فرصة مستقبلية لقيام دولة فلسطينية. إضافة إلى ذلك، يستغل الكيان الرمزية الدينية للقدس والمقدسات كوسيلة لاستفزاز محور المقاومة، وفرض معادلات تخدم مصالحها العسكرية والدبلوماسية.

تضييق الخناق على المقدسات ومحاولة فرض السيطرة الكاملة عليها يُعدّ اختبارا مزدوجا. فمن جهة، يُراهن الاحتلال على توحيد الجبهة الداخلية في الكيان المنقسمة عبر خلق عدو خارجي مشترك. ومن جهة أخرى، يسعى لإجبار محور المقاومة على ردود أفعال مباشرة قد تُترجم إلى مواجهات عسكرية غير متكافئة تخدم رواية الكيان أمام المجتمع الدولي.

دلالات تخبط الكيان

رغم ما يبدو كاستراتيجية محكمة، إلا أن تحركات الكيان تُظهر تخبطا واضحا. التركيز على التوغل في الضفة والتضييق على المقدسات يفاقم الاحتقان الشعبي الفلسطيني، مما يؤدي إلى تصعيد المقاومة الشعبية في الضفة الغربية وانتشار المواجهات المسلحة، وهو ما يُضعف السيطرة الأمنية في الكيان.

على الصعيد الداخلي، تعمق هذه السياسات الانقسامات بين نخب الكيان السياسية والعسكرية، خصوصا في ظل أزمات اقتصادية ومجتمعية متزايدة. كما أن انتهاك المقدسات يُضعف الشرعية الدولية للكيان، ويزيد من عزلتها السياسية، مع تصاعد الانتقادات من القوى الدولية والإقليمية.

استراتيجية محور المقاومة

محور المقاومة يدرك أبعاد هذه الاستراتيجية التي يتبعها الكيان ويُبدي حذرا في التعاطي معها. الرد العاطفي أو المتسرع ليس خيارا، بل إن المقاومة تركز على استنزاف الاحتلال سياسيا وعسكريا، مع تعزيز الوعي الشعبي وإحياء البعد الديني للقضية الفلسطينية في العالمين العربي والإسلامي. هذه المقاربة تُربك حسابات الكيان وتُحافظ على زخم المواجهة على المدى الطويل.

بالختام…

إن ما يحدث في القدس والضفة ليس مجرد معركة أرض، بل هو معركة وجود وهوية. في وجه هذه التحديات، تبرز ضرورة الصبر والثبات، والعمل الدؤوب لاستعادة الحقوق المشروعة. معركتنا مع الاحتلال معركة وعي وإرادة، والمستقبل لمن يتمسك بحقه ويصبر على طريق التحرير. القدس ليست ورقة مساومة بل عهد وميثاق، وستبقى رمزًا لوحدة الأمة ومصدرًا لإلهام الأجيال القادمة.

أحمد كمال-القدس