وفقاً ل”إسرائيل”، فإن سوريا هي مركز نقل الأسلحة الرئيسي للمقاومة، وقد انسحبت من المحور لإنقاذ نفسها. ومع استمرار تل أبيب في ضرب الأراضي السورية بلا هوادة، فما هي حقيقة مزاعمها؟

تعرضت سوريا على مدار السنوات العشر الأخيرة لعدد كبير من الاعتداءات الجوية الإسرائيلية، التي استهدفت مراكز تصنيع وتخزين السلاح، بهدف ما سمته تل أبيب “قطع طرق الإمداد” عن المقاومة، وكان آخرها ما أعلن عنه جيش الاحتلال مهاجمته مستودعات أسلحة ومقار يستخدمها حزب الله في منطقة القصير يوم 31 من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

ومع اندلاع معركة “طوفان الأقصى” منذ أكثر من عام، تكثّفت الضربات الإسرائيلية على سورية، ووصلت إلى 29 حتى نهاية عام 2023. ومنذ بداية عام 2024، تعرّضت سورية لـ 69 عدواناً جوياً استهدف مناطق جغرافية متعدّدة، بالإضافة إلى 17 اعتداء طال المعابر السورية – اللبنانية منذ منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.

وبعد تصاعد العدوان الإسرائيلي بشكل تدريجي على لبنان ابتداء من عمليتي “البايجرز” واللا سلكي في 16 و17 أيلول/سبتمبر الماضي، قبل استهداف قادة الصف الأول من المقاومة اللبنانية، وفي مقدمتهم الأمين العام السيد حسن نصرالله، تناقضت الاتهامات لسورية أميركيا وإسرائيليا بين أنها الركيزة الأساسية لإمداد المقاومة اللبنانية، وفي الوقت عينه أنها رفعت يدها عن دعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

خطط إسرائيل طويلة المدى في سوريا

يمكن الاستناد لمجموعة من المؤشرات التي تؤكد الموقف السوري الداعم للمقاومة في تصديها للمشروع الإسرائيلي الهادف لتغيير معالم الشرق الأوسط من بوابة “اجتثاث حزب الله” في لبنان وفق التصريحات المتكررة لرئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي تتمثل أبرزها:

أولاً- الاتهامات الإسرائيلية المتكررة وكان أبرزها، مطالبة وزير المالية “بتسلئيل سموتريش”، بوجوبية دراسة إنجاز عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في سورية، تلا ذلك ما عبر عنه نائب رئيس الحكومة ووزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان في أثناء إلقاء كلمة له في جامعة “رايخمان” العبرية عندما أشار على نحو مباشر إلى ضرورة الاستيلاء على أجزاء من الجغرافية السورية الواقعة في جبل الشيخ ضمن ما أسماه إنشاء خط دفاع جديد للكيان للحفاظ على السيطرة العسكرية ومنع وصول المعدات اللوجستية للفصائل المعادية لإسرائيل في لبنان وفلسطين، في حين لوح وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في تصريح له مع صحيفة “يديعوت أحرنوت” بتهديد مباشر للقيادة السورية متوعداً بتغيير النظام السياسي القائم فيها نتيجة استمرار دعمها للمقاومة قبل أن يؤيد الوزير القومي المتطرف جدعون ساعر هذا التوجه.

ثانياً- تزايد عدد الاستهدافات العسكرية العدوانية على سورية، والتي اتخذت أشكال عدة يمكن إيجازها وفق العناصر التالية:

• ركزت الضربات الإسرائيلية منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” على استهداف نقاط تمركز القوات التابعة لحزب الله؛ بشكل متكرر وخاصة المجموعات الأمنية، وهي 133 ووحدة الجولان والوحدة 4400 والوحدة 108، فضلاً عن الوحدات المسؤولة عن نقل عناصر وتقنية إنتاج الطائرات المسيرة التي تُنْتَج بعيداً عن لبنان، وغيرها من الأسلحة والذخائر المتموضعة في مستودعات التخزين الموجودة في سورية، سواء تلك التي تنتجها سورية، أو تشتريها وتستوردها من روسيا أو المرسلة من إيران.

• بعد أن ركزت الاعتداءات الإسرائيلية في العام 2023 على استهداف المستشارين العسكريين الإيرانيين في سورية من قادة وتقنيين؛ اتسعت رقعة هذه الاستهدافات لتطال قيادات حزب الله خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2024 كان أبرزهم، حسن جعفر قصير الذي استشهد في 2 تشرين الأول/أكتوبر، بعد يومين من اغتيال شقيقه محمد جعفر قصير المسؤول المالي وقائد الوحدة “4400”، وهي الوحدة المسؤولة عن نقل الأسلحة والوسائل القتالية إلى حزب الله في لبنان.

• منذ بدء “طوفان الأقصى” وفتح حزب الله جبهة الإسناد، كان لافتاً الاعتداءات الإسرائيلية باستهدافها المطارات المدنية، وتحديداً مطاري حلب ودمشق الدوليين اللذين قُصِفَا 12 مرة، حيث تعتقد إسرائيل أن هذه المطارات تستخدم بشكل مكثف لنقل متطلبات إنتاج وتطوير وتجميع الصواريخ ونشرها في سورية أو إرسالها إلى لبنان.

• تركيز الاستهدافات الإسرائيلية على وحدات النخبة للجيش السوري، مثل المواقع والمنشآت التي تستخدم في تخزين وتصنيع ونقل الأسلحة وعمليات التدريب مثل اللواء 75 من الفرقة الأولى في جبل المانع في ريف دمشق، واللواء 106 حرس جمهوري، والفرقة الخامسة في تل الجموع، ومراكز انتشار الرادارات ومنصات الدفاعية في الجنوب السوري، ولا سيما السويداء والشريط الساحلي في طرطوس، إضافة للاستهدافات المتكررة لمراكز البحوث العلمية التي تتهم من قبل إسرائيل بأنها توظف لتطوير الصواريخ المرسلة للحزب، أو التي تحتوي معامل إنتاج، ولعل أبرز هذه الاستهدافات ما شهدته منطقة مصياف بريف حماة في التاسع من أيلول/سبتمبر الماضي.

استهداف إمدادات حزب الله

ثالثاً- ادعاءات نتنياهو في لقاء مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في 16 تشرين الأول/أكتوبر، وقبله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري بأن لواء المظليين الاحتياط 646 عثر على كمية أسلحة روسية حديثة، خلال تفتيشه قواعد لـوحدة الرضوان التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، قبل أن ينشر المراسل العسكري دورون كادوش صوراً لصندوق خشبي يحتوي على أسلحة منها المضادة للدبابات، تظهر كتابة باللغة الإنكليزية تشير إن هذه الأسلحة مرسلة من روسيا إلى وزارة الدفاع في سوريا، ووصلت إلى الأراضي السورية عبر ميناء طرطوس، تخلل ذلك استخدام الحزب لبعض الصواريخ النوعية من طراز فادي 1 و2 و3، بعد أن ظهرت للمرة الأولى في مقطع مصور نشره الحزب لمنشأة “عماد 4″، أما الاستخدام الأول، فكان استهدافه قاعدة ومطار”رامات دافيد” جنوب شرق حيفا ومجمعات الصناعات العسكرية لشركة “رافائيل” شمال حيفا في الأيام العشرة الأخيرة من شهر أيلول الماضي، وهذا يعيدنا لما كشفه نصر الله في حديث شامل مع قناة الميادين من العام 2020 “إن صواريخ الكورنيت التي استخدمها حزب الله في حرب تموز اشتراها السوريون من الروس”، كاشفاً أن الرئيس الأسد وافق على إيصال صواريخ “كورنيت” التي اشترتها دمشق من الروس إلى حماس وحركة الجهاد الإسلامي في غزة.

التحديات الاستراتيجية التي تواجه دمشق

وينقل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية “CSIS” الذي يتخذ من إندونيسيا مقراً له عن مجمل تقديرات مراكز الأبحاث الإسرائيلية العسكرية والأمنية، بأن هناك مجموعة من الأسلحة التي تُنْقَل لحزب الله تُنْتَج في سورية، أو تُشْتَرَى سورياً قبل أن تُنْقَل إلى لبنان، وتتمثل أبرز هذه النوعيات في:

• الأسلحة الصاروخية: إذ تشير التقديرات إلى أن الحزب يمتلك ترسانة متنوعة من الصواريخ. وإلى جانب صواريخ فادي بأنواعها الثلاث، هناك صواريخ “خيبر 1” وهو عبارة عن صاروخ مدفعي غير موجه تم تطويره وتصنيعه في سورية، وكذلك منظومة صاروخ M-600 أو “تشرين”، وهو النسخة السورية من الصاروخ “فاتح-110″، وصواريخ “سكود” من فئات B/C/D إلى جانب صواريخ من طراز البركان، إلى جانب معظم أجيال صواريخ الكورنيت الروسية، بالإضافة إلى أنظمة صواريخ أرض-جو “إيغلا-إس”.

• الأسلحة المضادة للسفن البحرية: تؤكد المعلومات بأن حزب الله حصل منذ حرب عام 2006 على الصاروخ “ياخونت” روسي الصنع المضاد للسفن، والذي يصل مداه إلى 300 كيلومتر من سورية.

• صواريخ مضادة للطائرات: بعد تمكن الحزب من إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية لعدة مرات باستخدام صواريخ أرض-جو، تزايدت تقديرات إسرائيل بأنه نُقِلَت منظومة المضادة للطائرات من طراز “بانتسير” إلى جانب أنظمة دفاع جوي روسية متطورة من طراز “SA-22” والتي اشترتها سورية من روسيا.

هذه المؤشرات وغيرها العديد، سواء تلك المتمثلة بحشد القوات الإسرائيلية على جبهة الجولان والقيام بتغير خطوط الاشتباك، وما حمله المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين من شرط إسرائيلي يتمثل في نشر قوات أجنبية لمراقبة الحدود السورية – اللبنانية، وتوجيه أصابع الاتهام لسورية لاحتضان المقاومة، والذي تمثل حتى في الجانب الإنساني بتقديم التسهيلات كلها لاستقبال الوافدين اللبنانيين، بالرغم من الظروف المعيشية التي تمر بها البلاد، تفسر سبب قيام إسرائيل باستهدافها المستمر للجغرافية السورية والتلويح باجتياحها.

ولكن هل تستطيع “دولة” صغيرة مثل “إسرائيل” أن تنتصر على التضاريس الجغرافية الواسعة والمعقدة في سوريا، حيث توجد، على النقيض من لبنان، آلاف الأميال، وآلاف المواقع المخفية لانتشار الأسلحة والإمدادات؟

محمد نادر العمري

كاتب وباحث سوري مختص في العلاقات الدولية. حائز على ماجستير في إدارة الأزمات والصراعات والنزاعات الدولية