ليس سهلا أن يتحوّل المرء بعد رحيله عن هذا العالم إلى معنى.

لا يكلّف الله نفسا الّا وسعها. أصلا تكليف الإنسان أن يحرص كلّ الحرص أن يكون حضوره في العالم متّفقا بعض اتّفاق مع المعنى بما يمنع العبث. سيّد لبنان رحمه الله عاش وفيّا للمعنى بل تجاوز ذلك بكثير لأنّه صار بثبات زارعا للمعنى راعيا له ومربّيا عليه حشودا عظيمة.من فرط ذلك تمعنَنَ أي أنّه صار كلّا معنى وليس رحيله الّا تلك الضرورة التي تفرض حين يَكمُل التمعنن والتثقفن والتروحُن ان تغادر الذّات الحسّية وأن تتبخّر. اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي. الإكمال والإتمام وبعد ذلك انتقل الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.

هنيئا للرّجل فقد فاز فوزا يفرض على كلّ إنسان أن يسأل عن نفسه وقيمته ومسيره في الحياة وكيف أنّه يدخل في هذا العالم بالولادة ويخرج منه بالموت من دون أن يترك بصمة ومن دون ضمان أثر. الحزن والمأتم والتعازي والأربعينيّة والتّأبين أمور نسبيّة جدّا. قيمتها اجتماعيّة ربّما ولكن اذا كان مقياسنا الرّجل في ذاته وما كان منه وما ترك للعالم وما أثّر به فالنّظرة أخرى وكذلك التّقييم. هو يجعلنا ندرك ونفهم أنّ مُمكن الإنسان عظيم وواسع وبهيّ.

أين نحن من هذا الممكن ونحن في الذي نحن فيه؟ المقارنة مُخيفة مزعجة. لمّا أضع نفسي بين السيّد والسّنوار يهجم عليّ إحساس مدمّر بالخزي والذلّ والعبث. فعلا لله عباد يباهي بهم. لم تُرهبهم القوّة ولم تستعبدهم أنانيتهم ولم يفتنهم الموت وما حسبوا الحياة نهاية المطاف.

ثمّ من يزايد على رجل كهذا في الحرّية؟

أوليست المزايدة على أهل الإيمان بالحرّية؟

الدكتور الهذيلي منصر_ تونس 🇹🇳