في مطلع هذا الشهر قدّم باحث كبير في معهد دراسات الأمن القومي للعدو، البروفيسور كوبي مايكل، دراسة جديدة مفادها بأن أداء سلطة أوسلو أصبح يحتاج إلى إصلاح استراتيجي شامل، يشملُ إصلاحات داخلية عميقة، مما يتطلب تعاوناً إقليمياً والحاجةَ إلى وضع خطة تنمية اقتصادية شاملة. وقد ألمح الباحث في ثنايا دراسته بأن السلطة قد فقدت الثقة من الجانب الصهيوني، وكذلك من الجانب الفلسطيني الموالي لها، وأن السبب لذلك هو إقامة السلطة الفلسطينية اقتصادها على أساس الدعم المباشر من “إسرائيل”، والذي بدأ بالتدهور بعد أن فرضت الأخيرة عقوباتٍ عليها زادت من عمق انقسامات داخلية أخرى فيها. ويكمل الباحث طرحه مقترحاً بعض الشروط لمواجهة هذه التحديات، أن تقوم دولة الكيان بإنشاء مؤسسات لدولة فعالة ولبنية تحتية صحية. وأضاف أن عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة أساسية لثباتها، مع التشكيك في قدرة السلطة على السيطرة على غزة دون تحقيق هذه الإصلاحات أولاً. تُقرأ هذه الدراسة بعينٍ فلسطينيةٍ مقاوِمة ببالغ الأهمية، لأننا عندما نتحدث عن جسم السلطة، نتحدثُ عن الجسم الناطق بالعربية، والذي يساند الكيان في مشاريعه التوسعية في الضفة والمنطقة، حيث تشكل السلطة الفلسطينية الركيزة الأساسية لاستقرار الكيان المحتل سياسياً ودولياً، حيث تشكل أوسلو الأرضية التي بنيت عليها اتفاقيات التطبيع التي تلتها، بالإضافة إلى الوظيفة الأمنية التي تتولاها السلطة، وهو عملها المضاد لحركات التحرر الفلسطينية تحت مسمى التنسيق الأمني مع الكيان.

كما تتحدث هذه الدراسة بعمقها عن شروطٍ مستحيلة التطبيق لدعم سلطة أوسلو، واستحالتها تأتي من ضوء المواجهة الشاملة مع العدو من أقطاب محور المقاومة، حيث لا يبقى من الدراسة إلا حقيقة لا مفر منها، وهي انقسام سلطة أوسلو وانهيارها، حتى أصبح الأمر في عينِ المقاومة وكأننا نتحدث عن خسارة الكيان لمنظومة قبة حديدية كاملة، بل هي خسارةٌ أكبر حجماً، لأن الباحث تجاهل موقف المقاومة من أي خطةٍ تطال غزة، كما أنه تجاهل دراسة جدوى الدعم الدولي لهذه المبادرة، في حين أن محور المقاومة قد وضع تحركات دول الإقليم تحت مجهر المراقبة إذا ما كانوا سبباً في دعم مبادرات الكيان التي تتعلق بالمواجهة معه، وقد رأينا ذلك في الموقف اليمني الذي طالب بإدانة الدول العربية لضربات الكيان لميناء الحديدة.وإنه مما يزيد من تحديات الكيان في أي محاولة إصلاح لسلطة التنسيق الأمني، هو ما تحمله إشاراتُ عودة اسم قائد كتيبة نور شمس “أبو شجاع” إلى الساحة مرة أخرى، وهو المطلوب الأول في طولكرم من سلطات الكيان الذي كان قد أعلن عن اغتياله في أكتوبر الماضي، مع تصاعد الأحداث في غزة. ظهر أبو شجاع هذه المرة بشكل يزيد من عمق الإحراج لسلطة التنسيق الأمني، حيث كان ملاحقاً من اجهزتها “الأمنية” بعد مواجهات عنيفة، تخللتها محاولة اعتقال وإطلاق نار وغاز مسيل للدموع. وفي صبيحة اليوم السادس والعشرين من تموز، ما إن جاء بلاغ لأجهزة التنسيق الأمني عن قدوم أبو شجاع لمستشفى ثابت في طولكرم للعلاج بسبب إصابة تعرض لها، حتى قامت أجهزة التنسيق بمحاصرة المستشفى عبثاً، حيث تجمع الأهالي وفكوا الحصار بعد اشتباك حصل مع مقاومين آخرين حضروا للمكان أيضاً.

يُضيفُ هذا الحدث وزناً ثقيلاً إلى المواجهات التي تحدث في الضفة، حيث يشكل إحراجاً لسلطة التنسيق الأمني في عدم تحقيقها لأهداف الكيان في القبض على المطلوبين من رجالات المقاومة، مما يصب في رصيد خسارة رهان الكيان على السلطة. ويقدّر هذا في عين الكيان بأنه فشلٌ إضافي يعكس أثر عقوبات الكيان على السلطة، وهو أمرٌ بدأ يصبح ملحوظاً وبشكل كبير لدى أهل الضفة، ولكتائب المقاومة، بأن قوة التنسيق الأمني بدأت تهترئ. وذلك ينبئ عن انفراجة محتملة ستؤدي إلى تدحرج المواجهة المنتظمة في الضفة. كما يعبّر تحرك الأهالي لفك الحصار عن المستشفى عن احتمالية كبيرة لاحتجاجات شعبية ستتسع مساحتها في الضفة الغربية. حيث وجد الشارع في تحركه لأبي شجاع وتحريره جواباً وجدوى مستحقّة لكل مناضل تحاول سلطة التنسيق اعتقاله أو قتله.

آدم السرطاوي_ 🇨🇦 كندا