بدايةً، الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى.
ونظراً لكثرة اللغط المثار حول الصاروخ الذي انفجر في بلدة مجدل شمس السورية المحتلة، آثرت المشاركة بتقدير الموقف بشكل موضوعي، وبعيداً عن الردود الاعتباطية، أو اجترار ما يقوله الآخرون، وألخصه بما يلي:
• منذ الانطلاقة الأولى لحزب الله في بداية ثمانينات القرن الماضي لمقاومة العدوان الإسرائيلي وهو معروف بإعلان تحمله المسؤولية عن أي عمل يقوم به، ولم ينكر علاقته بأمر ما إلا وثبت أن لم يكن له علاقة به بالفعل. وأي كلام آخر لغو عبثي لا يقدم ولا يؤخر.
• موضوع الخطأ في إصابة الأهداف أمر وقع به العدو الإسرائيلي مراراً وتكراراً، وهو لا يهتم أين تنزل قذائفه وصواريخه، ولا تعنيه الدقة طالما أن الضحايا ليسوا إسرائيليين.
• الاحتمال الأرجح أن سقوط الصاروخ كان بسبب خلل تقني أصاب أحد الصواريخ الإسرائيلية التي تم إطلاقها للتصدي لصواريخ حزب الله، وقد سبق أن تكرر هذا الأمر أكثر من مرة.
• هناك سؤال مفتاحي يفرض نفسه في أية جريمة ترتكب، ومضمونه: من المستفيد؟ وأضيف عليه عدة تساؤلات تصب في الاتجاه نفسه:
أ. هل من مصلحة حزب الله إطلاق صاروخ على قرية سورية محتلة، رفض أهلها الهوية الإسرائيلية، ورفعوا شعار “المنية ولا الهوية” وهم يتباهون بهويتهم الوطنية السورية، ويتجذرون بأرضهم وانتمائهم الوطني بكل شموخ واعتزاز، ويرفضون الاحتلال الإسرائيلي البغيض بكل أشكاله وممارساته؟
ب. على امتداد أكثر من تسعة أشهر ونصف، وبيانات المقاومة الإسلامية في لبنان “حزب الله” تعلن عن كل عملية يتم تنفيذها، وترفق الخبر الذي تعممه باللقطات المصورة. وهي ترد كل مرة على استهداف المدنيين والقرى في الجنوب اللبناني بقصف الأهداف العسكرية، ومقرات التمركز الرئيسية والتبادلية ومحاور التحرك، فضلاً عن الآليات والمدرعات والتجهيزات الخاصة بجيش الاحتلال، وتحقق إصابات دقيقة. والبيان الصادر ينفي أي علاقة للحزب بما حدث.
ج. نيران حزب الله التي تنطلق باتجاه الداخل المحتل لم تستهدف تجمعاً مدنياً إسرائيلياً حتى الآن، وحتى عند استهداف المستوطنات التي تم إخلاؤها فإن اختيار الأهداف يتم بدقة، وتكون الإصابة محصورة في الأبنية السكنية والمقرات التي يشغلها جنود الاحتلال الإسرائيلي. فكيف يمكن التفكير بأن الحزب الذي لم يستهدف تجمعا سكنياً معادياً يمكن أن يطلق صاروخاً باتجاه بلدة سورية محتلة؟
د. لو كان حزب الله بصدد استهداف الأماكن السكنية والبلدات المأهولة بالمستوطنين لكانت خسائر العدو الإسرائيلي في الأرواح بلغت عشرات الآلاف، وهذا ما يدركه المستوطنون والمسؤولون الإسرائيليون مدنيين وعسكريين. وبالتالي أيهما أكثر مردودية لحزب الله: أن يستهدف مستوطنة مغتصبة تغص بالمستوطنين والجنود، أم بلدة سورية محتلة يُرَاهَن على أن يكون دورها فاعلاً ومؤثراً في مجرى العمليات الحربية إذا توسعت دائرة الحرب؟

استناداً إلى كل ما سبق، فالصاروخ الذي انفجر في مجدل شمس “إسرائيلي” مئة بالمئة، ونحن أمام احتمالين لا ثالث لهما:
1- خلل في أداء منظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلي”
2- إطلاق متعمد لتحقيق أهداف محددة، منها ما يتعلق بالداخل “الإسرائيلي” المتشرذم والمنقسم على نفسه، وشده لتوحيد الصف في مواجهة خطر داهم قد يؤدي إلى حرب تتطلب تحشيد الطاقات، لمواجهة أخطار وجودية تتبلور أمام بصر الجميع وسمعهم.
ماذا لو كان الأمر كله ترتيباً متفقاً عليه مع الإدارة الأمريكية، وخاصةً أن المجرم ناتنياهو ما يزال هناك بهدف توتير الأجواء أكثر، والتهويل بحرب أوسع وأشمل، للحصول على أية تنازلات من أطراف محور المقاومة، أو لتوتير الأجواء وتبريدها لاحقاً بشكل تدريجي، والتظاهر بأن واشنطن ضغطت على نتنياهو وعملت على تجنيب المنطقة حرباً شاملة؟
وماذا لو كان تم الاتفاق بين نتنياهو وداعميه في واشنطن على خطوة كهذه لتحقيق أهداف ما تزال خفية، لكنها ستتضح لاحقاً؟
نتيجة وخلاصة:
لا علاقة لحزب الله وبقية فصائل المقاومة بما حدث لا من قريب ولا من بعيد.
وعلى السلطات “الإسرائيلية” تقديم تفسير يقنع العقل بدلاً من رفع سقف التهديد والوعيد، الذي لا يصرف في أسواق الفعل المقاوم القادر والمسؤول.
وعلى المسؤولين الصهاينة المجرمين الذين يرفعون سقف سعارهم وجنونهم أن يبتلعوا ألسنتهم، ويذعنوا للواقع الجديد المتشكل منذ انطلاقة طوفان الأقصى وحتى تاريخه، بدلاً من إلقاء التهم على هذا الطرف أو ذاك، ومحاولةِ تحميل مسؤولية الجرائم والمجازر التي يرتكبها الكيان الغاصب المؤقت لضحايا هذا الإجرام، الذي آن له أن يتوقف دفعة واحدة، وإلى الأبد.
د. اللواء حسن أحمد حسن_ الخبير العسكري و الإستراتيجي _دمشق 🇸🇾