تم نشرُ هذا البحث المفصَّل قبيلَ اجتياحِ العدوِّ لرفح!!. وعقبَ عمليةِ الوعد الصادق 1 التي ردَّت فيها الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الكيانِ الغاصب الذي قام حينها باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق!
في ذلك الحين بدا ما ذكرته الكاتبة في هذا المقال مخالفاً لكلِّ السياقاتِ التي استنتجها معظمُ الباحثين والمهتمين في الشأن السياسي والعسكري في المنطقة.. لكن حتى الآن تتطابق القراءة في هذا البحث مع الوقائع الجارية منذ بدء العدو بالتهديد باجتياح رفح إلى حدٍّ بعيد!
مما استدعى إعادة نشر البحث الذي نشرته مواقع عدة سابقاً كموقع ساحة التحرير وموقع عشتار وسواهم من المواقع اٌلإلكترونية.
يخلص البحث إلى أن كل السياقات العدوانية التي أقدم وسيقدم عليها العدوُّ هي في حسبانِ المحور الذي بادرَ بالمعركة ضد الكيان في ملحمةِ طوفانِ الأقصى على الرغم من كل التعقيدات والتصعيد الدموي الذي شهدته ساحات المقاومة!
وفيما يلي البحث الذي اخترناه لكم!
إيران ثالثة القطب الجديد الصاعد .. وشمشون الأحادي بين عقدة العظمة
ومتلازمة القزامة!!
حول الرد على الرد “إسرائيل ” تحسم خياراتها بين ضربة قوية داخل أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وبين معارك ببعد استراتيجي في منظور
الحِلف المعادي
….
في أيِّ الوحْليْن يسقُطُ الكيان ؟!!
…..
ردُّ إيران وسابع شهور الطوفان:
جديرة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تفتتح المرحلة الجديدة في الطوفان .. وأهل هي عملية الوعد الصادق كي تصوغ عنوان” إيران ثالثة القطب الجديد الصاعد ” وهو ما عبَّر عنه ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني بقولِه “روسيا وإيران والصين تعمل معا على تقويض الديمقراطية في العالم وتغيير النظامِ العالمي”، و ما اعترف به رأس الحلف المعادي الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما قال قبل أيام” إيران وروسيا والصين “هم في الحقيقة محور الشر في العالم!
وبعيدا عن أن علامات الخرف قد تبددت فجأة عن شخصية الرئيس الأمريكي مؤخرا فإن هذا التصريح يأتي في سياق الاعتراف الصريح بعالمية إيران في الصراع الذي يدور اليوم قبيل ولادة عالم جديد فالأمريكي أخيرا مضطر إلى أن يقول” إيران وروسيا والصين “وأن يعبر عنهم معا أنهم محور وله أن يصف هذا المحور بما شاء ، فطبيعي أنه لن يتغزل بمن أذل شمشون ترساناته العسكرية ومن أطاح بملحمة قدراتها التكنولوجية وعرى حقيقتها في مقابل القدرة التكنولوجية الإيرانية من خلال” بروفا ” الوعد الصادق!
وبعيد اً عن تخبطات روايات قادة حلف العدو وتصريحاتهم التي تلت عملية” الوعد الصادق “مباشرة بين من حاول احتواء فشل الأسلحة الصهيوأمريكية ومنظوماتها الدفاعية من خلال تصغيرِ وتسطيحِ ماوقع فوق رؤوس الكيان وداعميه يوم الرابع عشر من نيسان، وهو مافعله هاليفي رئيس الأركان في حكومة العدو الذي قال :
“إيران حاولت استهداف قدرات استراتيجية لإسرائيل، فقمنا بالاستعداد خلال عملية الدرع الحديدي، وهذا الاستعداد جعل إيران تواجه تفوقا جويا إسرائيليا”
وبين من أفاق من هذيان الهزيمة المدوية فاعترف مرغما بالهزيمة ومضطرا لتقزيم أكتاف هرتسي هاليفي التي عرضها كثيرا في استعراضه البياني السابق .. فالحال لايحتمل الاستمرار بالرد البياني على ماوقع للكيان وداعميه وهو وفق تصريح مدير عام الصناعة الجوية في الكيان الصهيوني” بوعاز ليفي …” : “كان مهولًا ومعقدًا ومن الصعب مواجهته .”ويضيف تأكيدا على حجم الفشل والخطورة التي تستقرئها وتقر بها إسرائيل” السيناريو الذي واجهته في ليلة واحدة منظومات الدفاع كان سيناريو ثقيلًا، ليس سهلًا أبدًا وأعتقد بأنه ليس هناك أي دولة في العالم يمكنها
أن تصمد في وجه حالات متداخلة من هذا النوع.”
ركزوا على قوله” ليس بمقدور أي دولة في العالم أن تصمد في وجه حالات متداخلة من هذا النوع “والعالم كله يعرف أن من وقف للتصدي لهذه” الحالة المتداخلة “هو الكيان مع داعميه وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وبعض أعوانه !!
إذن .. شهد العالم كله حج الصواريخ الإيرانية التي طافت في حرمات القدس قبل أن ترجم القواعد المستهدفة للكيان بسبعات ملبيات صائبات!!
وشهد العالم كله أهم عمل” مسرحي “ينال من حماقة العدو فيوقع به في المصيدة .. وملحمي ينال من طاغوته بنيرا ن مؤصدة!!
وشهد العالم كله كيف أن عنق منظومات الدفاع التكلنولوجية لدى العدو قصيرة قاصرة لم تتمكن من اصطياد مسيرة إيرانية واحدة سالمة من بين مئات بطيئات تم الإعلان من قبل الجمهورية العزيزة عن عددهن ووقت انطلاقهن وموعد وصلوهن في رسالة تحد عالية السقف عنوانها
“اصطادوا واحدة سالمة إن استطعتم “كما فعلت إيران مع مسيرة أمريكية في أفغانستان بل وللتذكير كما فعلت المقاومة الفلسطينية مع مسيرات إسرائيلية داخل الأراضي المحتلة خلال الطوفان ، وقد كنا نقول هذه الفيديوهات الحربية تعني الكثير !!!
وتجاوزاً لاستعراض طويل لسياقات مضت وحُقت واستُحِقَّت ، فإن قراءة في طبيعة ما آلت إليه الأمور بعد وصول سيزيف المحور إلى تجسيد جدوى المقاومة لاعبثيتِها ، وهي الجدوى التي جعلتنا نرى بأم العيون كيف يُرغم أنف الصهيوني بالسلاح وكيف يساق مغلغلا مزنراً بجبهات الجهاد والرباط إلى حتفه ، الأمر الذي ماكان ليتحقق إلا بالعمل المضني والانطلاق من عوامل موضوعية تتعلق بقراءة الواقع كما هو أولا والاستعداد لهذه المواجهة كما يجب ثانيا.
ولذا فإن من الوفاء لهذه العقيدة العملية التي اعتضد بها محور المقاومة أن نلتزم ذات السلوك في القراءة والتحليل وأن نلاح ظ ونقرأ بموضوعية _ وبعيدا عن الهزليات الإعلامية الاستخبارية له_ أن العدو حقيقة ولأول مرة منذ بداية ملحمة طوفان الأقصى يستجمع ويستدعي ويستنفر كل الجهود لكي يكون رده موازيا لما وقع له من هزائم!
فما هي استدلالات ذلك ؟!
….
الانتقال من عبثية الوحشية اُّلآنية إلى استراتيجية الإجرام:!
….
إن ما يلفت في سلوك العدو في هذه المرحلة أنه تم ك ن من الخروج من دائرة الغضب الوحشي التي لم تجعله يحصد سوى الخسارات المتتالية طوال ستة شهور من الإبادة الجماعية التي تفوق بها على نفسه في جرائم يَّ تِها ووحشيتها والتي أورثته فقداً لسرديته المض ل لة في العالم وانشقاقا حول دعمه طال حتى البيوت الدبلوماسية الغرب ية والتي شهدنا فيها تقديم استقالا ت حتى في أمريكا الراعي الأول لدولة الكيان الصهيوني والتي استقال غيرُ واحد فيها من وزارة الخارجية ونال من زيفِ عقيدتِها العسكرية بصورة جسدت أعظ م صور الافتداء للحقيقة وهي التضحية بالروح كما فعل الشهيد آرون صارخا بحق فلسطين وفاضحا الكيان ومن يدعمه ومسجلاً اعتراضا لا يعلو عليه صوت ولا يتفوق عليه مشهد بإزهاقه روحه في سبيل ذلك ، وليس آخرها ما يشهده الشارعُ الغربيُّ عموما من حراك مناهض لهذه السياساتِ ومناصر للقضيةِ الفلسطينيةِ ارتفع من الجماهيري إلى المؤسساتي النخبويُّ بل إلى عصبِ الحياةِ النخبويةِ وهو الجامعات والذي تسجلُ فيه جامعة كولومبيا تطوراً مدهشا في العمل وصل إلى حد أن يكو ن جبهةً مفاوضة عن حقِ فلسطين تطلبُ انفكاك التعاونِ مع الكيان كصيغة أولى للدعم لم تقبلِ التراجع حتى أمام أفظعِ مشاهدِ
الاعتقالاتِ التي نالت من بعضِ الكادرِ الأكاديمي والطلابيِ وهي ماتزال تعتصمُ غير آبهة بكل التهديداتِ التي تلقتها أمام مجدِ أن تسجل موقفا حراً مع أبينِ قضية إنسانية حرة شهدها العصر الحديث ..
ولايخفى على أحد أن نازية الكيان التي افتُضحت أمام العالمِ أجمع قد تسببت بتجميد ولو خجول لمسار تسوياته في المنطقة وهذه واحدةٌ موجِعةٌ سفحت وجه الحضور الإسرائيلي وأطاحت بأعمدة بقائه المزعوم في الجسم العربي وهي أعمدة قد كلَّفت الكيان الكثير لابل كلَّفت داعميه ما لا يقلُّ عن فاتورة الحرب على سورية التي أدارتها القيادة السورية لتكون أول مسمار يدقُّ في نعشِ عالم أحادي القطب ، ناهيك عما نال ترسانة حلفِ العدوِ العسكرية في كل الجبهات المقاومة من خزي وعار وفشل ومذلة وصولاً إلى الفشلِ الذريع أمام “الوعد الصادق” الإيراني !!
والعدو هاهنا بعد تخبطات في التصريحات وعناوين نارية لبعض قادته في الرد السريع والموجع يذهب لأول مرة إلى التخطيط الاستراتيجي في الحرب الوجودية التي يعيشها ؛ فتتبعوا هاهنا ما اقترحه كلٌّ من بيني غانتس وغادي آيزنكوت حول ضرورة الرد فورًا على الهجوم الإيراني ، وماصرح به غانتس أنه “كلما تأخرت إسرائيل في ردها على هجوم إيران، زادت صعوبة حشد الدعم الدولي لمثل هذا الهجوم” ، ثم إعلان العدو عن يومين للرد ثم موعد الرد الذي تقرر يوم الاثنين 15/04/2024 كل هذا تبدد أمام خِيار يقول بانتظار إنضاج الظروف لكي يكون الرد مؤثرا ويؤتي
نتائجه المرجوة بالنسبة للعدو، فنجد عضو مجلس الوزراء الحربي بيني غانتس نفسه يبتلع تصريحاته السابقة ويعلن أن” إسرائيل ما تزال تدرس ردها وستحدد الثمن الذي ستدفعه إيران بالطريقة والتوقيت المناسبين لنا.” وذلك بعد أن دعا رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو زعماء المعارضة – يائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر_ إلى مؤتمر أمني غير عادي في كيريا في “تل أبيب” ، وقرر تأجيل الإحاطة الأمنية مع قادة المعارضة حول التوتر مع إيران بحجة ضغط جدول أعماله، الأمر الذي قرأه البعض أنه يمثل حال التخبط الإسرائيلية في التوصل إلى اتفاق حول رد يستهدف الجمهورية الإسلامية.
وقد كان في الحقيقة ووفق تتبع المسارات السياسية والعسكرية التي يسلكها حلف العدو إعلانا عن اتخاذ المنحى الاستراتيجي في التخطيط للرد على المرحلة الجديدة التي افتتحها المحور في سابع شهور الطوفان من جهة وعلى تعاظم الخطر الإيراني الذي بلغ الدائرة العالمية في منازلة العالم الجديد وفق ماينم عنه تصريح بايدن عن القطب الجديد الذي ينازل القطب الأحادي والذي اضطر مرغما أن يعترف بأن إيران هي ثالثته بعد أن كان يقول بأنها تدعمه وتزوده بالسلاح فقط!!
وهذا الانتقالُ في التخطيط يتبدَّى لمن يتابع ما يجري في المنطقة والعالم من حراك سياسي وعسكري من خلال ما يمكنُ تبويبُه في ستةِ اتجاهات أو عناوين يعمل عليها العدوُّ من جهة وتردُ عنها بعضُ التقاريرِ من هنا وهناك من جهة ثانية .
سداسيةُّ العدو مخطط متكامل للرد!
لم يكن تأجيلُ نتنياهو نتائج اجتماعه الأمني الموسع الذي استدعى كلَّ الطاقات الصهيونية ممتدة من تل أبيب إلى واشنطن سواءً بالحضور الشخصي أو الافتراضي ووصولا إلى مشاركة الدولة العميقة القائدة، سوى لوضعِ وترتيب أضلاع ستة تتوافق وعقيدة النجمة السداسية وفق الرؤيةِ الصهيونية لمخطط متماسك استراتيجي في نظر العدو، محدداته أو أضلاعه الستة هي التالية:
١ _ الضلع الأول:
استواء الجبهة الأمريكية الداعمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري لأول مرة في الطوفان على موقف واحد مؤيد على بياض لإسرائيل برفقة الغرب الجماعي: والتوافقُ على ميزانية واحدة بملياراتِ الدولارات لدعم الكيانِ على الملأ وماخفي أعظم، وهو ما يؤكد أن الدولة العميقة التي تقود أمريكا والغرب قد استشعرت حجم الخطر الذي لا يتهدد وجود إسرائيل فقط بل حضور السيطرة الأمريكية التي سادت زمانا طويلا مما جعلها أي الدولة العميقة تقرر سحب عملائها الذين جعلتهم ينخرطون في مشهد انشقاق البيوت الدبلوماسية في أمريكا والغرب من أجل اقتناصِ اللحظة المناسبةِ و ضرب هذا الشرخِ الحاصل في دائرة القرار السياسي الذي كان على كبد إثم واحد طوال قرون ، فوجدنا فجأة أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي اللذين تنافسا على الانتخابات المحتدمة بينهما باستخدام الورقة الفلسطينية بين ملوح بنصرة أحقيتها ورافض لسياسة محوها وإبادتها _ ولو بالمواربةِ حول ما يسمى “حل الدولتين” ورفض الدعم المفتوح لإسرائيل فيما تقوم به _وبين صارخ بأنها إرهابية تهدد الوجود الإسرائيلي المسكين الذين عانى آثار النازية لعقود! ..
وجدنا هذين فجأة قد جب ” الخطر الإيراني “خلافاتِهما المُدعاة ، وعادوا ليظهروا حقيقتهم ، وقد عبر عن ذلك زعيما الأغلبية في كلا الحزبين:
- ستيف سكاليس، زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب والذي صرح بأنه “على ضوء الهجوم غير المبرَّر من إيران على إسرائيل، سوف يغير مجلس النواب جدوله التشريعي للأسبوع المقبل، وينظر في تشريع يدعم حليفتنا إسرائيل ويحاسب إيران ووكلاءها الإرهابيين.”
- وزعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر الذي أعلن أنه” فيما تتعرض إسرائيل لهجوم من إيران، نحن نقف مع إسرائيل وشعبها، وسوف تقوم الولايات المتحدة بما بوسعها لدعم دفاعات إسرائيل ضد إيران.”
دور تقف وراءه الدولة العميقة التي تصوغ سياساتِ أمريكا والغرب على المديين القريب والاستراتيجي وكانت غاية هذا الدور التمثيلي سابقا أن تخلِق الدولةُ العميقة في أمريكا خطا سياسيا يبدو أقلَّ جرائميةً من سابِقه وأقلَّ تطرفا في سياسته حيال فلسطين ويقفُ على مسافة واحدة من “كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي” كما يسوِقُ لذل ك طوال عقود مسارُ أوسلو الآثم والذي التفَّ حوله غيرُ قليل من العرب وضلَّل كثيرين من قادتِهم وجعلهم ينفكُّون عن مسار المقاومةِ الطريقِ الوحيدِ لكسرِ قيودِ الاحتلالِ عن أرضِنا ، وهو ما كان سيكون معادِلاً بديلاً للحوارِ مع بعضِ العربِ الذين انكفأوا عن مسار “التطبيعِ” مع العدو بفعل ما جرى بعد الطوفان المبارك ، وكان هذا المسار السياسي الذي يُرفعُ على شعارات قد تكون مازالت محلَّ قبول لدى بعضِ العرب من شأنِه أن يمنح العميقة فرصةً لعودةِ الحديث بالتطبيع وبالتالي فرصةً لإطالةِ عمرِ الكيان ريثما تجدُ الدولةُ العميقةُ حلاً يرأبُ الصدوع التي خلَّفها الطوفان .
ولم يعد خافيا أن إحدى مهامِ هذا المسارِ لاحقا هو أن يطيح بالجبهة الجديدة الصاعدة التي بدأت تتشكل حقيقة في أمريكا والغرب جراء انكشاف الحقيقة الصهيونية المجرمة من جهة وفشل السياسات المتبعة سابقا والتي لم تجلب لأمريكا والغرب سوى الهزائم والفشل العسكري والاقتصادي من جهة ثانية وهذه لا تنفصلُ عن بقيةِ الجبهات التي تحتربُ في العالمِ مع أمريكا والناتو وأهمها الجبهة الروسية – الأوكرانية الناتوية .
إذن قررتِ الدولة العميقة أن تسحب مخططاً مهما لها على المدار الاستراتيجي العالمي إلى الساحة الاستراتيجية الصهيونية، وهي هاهنا قد وقعت في فخ ديناميكي نقلها من الاستراتيجي حقا إلى ساحة من الصراع واضح فيها أن اليد العليا هي تلك التي تضرب رأس العدو بِعصا المقاومة كلما حاول أن يطاول عنقه أو أن ينصب قامته من جديد، وهي ساحةٌ خيوطُها بيدِ قادةِ المقاومة تُراكمُ الإنجاز بالنقاطِ وفق
تراكمية زمنية حينا مع نسق عسكري وسياسي يلازُمها، ووفق استحقاق نوعي عملياتي كالذي حدث تراتبيا منذُ السابعِ من أوكتوبر ثم دخولِ جبهةِ جنوبِ لبنان بتطور مضطرد جعل الأمريكي لايتركُ وسيلةً في محاولةِ إخراجِ حزب الله من ساحةِ الصراع عبثا ليفاجأ بأنَّ العراقيَّ خطرٌ جديدٌ لا يقلُّ إيلاما عمن سواه لدرجةِ أنه شكَّل النواة الأولى لخروجِ الأمريكي من المنطقة وهو مايطيحُ بآمال عريضة في تأمينِ مد الجسور الاقتصادية في المنطقة والتي تُغطي حقيقةً جسوراً عسكريةً هدفُها العميقُ إتمامُ المشروعِ الصهيوني “حدودكِ يا إسرائيل من الفراتِ إلى النيل”، ثم الحضور اليمنيُّ الجليلُ والمهيبُ الذي حبس مرج البحرينِ عن الكيانِ وداعميه وقال للأمن القومي الأمريكي هذه البحارُ بحارُنا وهذه الأرضُ أمنُنا نحن ورياحُنا لن تجري بما تشتهي السفنُ والبوارجُ والفرقاطاتُ المعادية وليعبِر لاحقا عن أن المحيطاتِ حتى هي ضمن الأمن القومي لقضيتِنا العربية المحقةِ..
فإلى أي ساحة استدعتِ الدولةُ العميقةُ واحدةً من مخططاتِها المهمة والتي كان يمكن أن تشكل عبئا يحتاجُ جهداً كبيراً لتفكيكِه وهزيمتِه لاحقا من قبل محور المقاومةِوحلفائه؟
الحقيقةُ هي أن هذا الاستدعاء لاحتياطي المخططاتِ العالمية إلى جبهتنا، وهذه الانسحابيةُ من البعيدِ الاستراتيجي إلى قصيرِ النظرِ الذي مازال يراهنُ على الصهيوني في أرضنِا تشي وتؤكد أن الدولة العميقة القائدة تعاني هي ذاتها في التعامل مع المأزق الذي يحوط الكيان الخائف المردوع ويورط أمريكا والغرب بالمزيد من الهزائم في مصيدةِ غزَّة العظيمة وجبهاتها، وهذا الواقعُ على رأس العميقة هو ما سيستفيد منه المحور بل والقطب الجديد الصاعد بثلاثيته” إيران وروسيا والصين “في منازلة العالم الجديد! - ٢ _ الضلع الثاني:
تصافح يمين ويسار العدو الصهيوني على طاولة الإسعافِ التشاورية :
ودراسة الرد الإسرائيلي على إيران وكلُّهم كِيان غاصبٌ متطرف سواء تيمنوا أو تيسروا وهو ما يؤكد ما كنا نقوله عن كون عقدة الحرب لا تكمن في شخص نتنياهو بل هو في الحقيقة الأكثر جدارة في نظر الحلف المعادي لتمثيل الصهيونية العميقة التي تقود الحلف المعادي كله!
فهل يخفى على أحد هاهنا بأن العدو قد ورط نفسه أكثر وسلم بالمجان ورقة كان يمكن أن يعتمد عليها كمخرج مشهدي من مأزقه الحالي .. هذه الورقة هي نتنياهو نفسه الذي راوح العدو به بين تأييد وتأنيب طوال ستةِ أشهر من الحرب مما جعله شماعة كان يمكن أن يعلق عليها العدو في تل أبيب وواشنطن صيغة انسحابِه من حربِ الأوحالِ المتحركة التي تغرقه في المواجهة الخاسرة مع محور المقاومة ..
أما الآن وقد تصافحت يمين العدو مع يساره على طاولة الحرب ذاتها وأظهرت للعالم كله أن كل مافي هذا الكيان ينبع وينمو ويتجسد في عقيدة واحدة ونهج واحد فأنى للعدو أن يجد لنفسه مخرجاً بعد أن أغلق الباب الوحيد وحرق الجسر الأخير للعودة الذي كان يمكن أن يمنحه فرصة تأخير هزيمته الكبرى إلى جولة لاحقة؟!
وهذا ضلع حيث يظن العدو أنه يزيد تماسكه فإنه يهشم له أطراف الحلول ويكبلُه في قيدِ الخيار المر الوحيد الذي لا رجعة عنه وهو” المنازلة الأخيرة!”
وحيثُ كان يائير لابيد يحضرُ نفسه شخصيةً “اعتداليةً” قد تصلُحُ لإتمامِ المشهدِ التميلثيلي المعتدل في واشنطن والمنوطِ به نسجُ نسق يعيدُ سياقاتِ المنطقةِ والعالم إلى ما قبل طوفانِ الأقصى ، فقد حضر الاجتماع الأمنيَّ الموسَّع لإنقاذِ “إسرائيل” من تداعياتِ الهجومِ الإيراني المُحكم مع لفيف معار ض لبى نداء نتنياهو المستعجل بإيعازِ الصهيونيةِ العالمية ، وهو ما من شأنِه أن يفضح هذا الكيا ن بكليَّتِه ويساهم
أكثر في بلورةِ واقع جدي د يتوازى مع هذه الحقائقِ التي عرَّاها طوفانُ الأقصى ويديرُ نتائجها السياسية قادةُ محورِ المقاومة ببراع ة وهدوء.
٣ الضلع الثالث: إعادة تموضع القوات الصهيونية توافقا مع مخطط عسكري عنوانه ” رفح أولا ثم جنوب لبنان ” : سياسيا : مجمل التصريحات والتقارير التي تتبع القطب الخفية في معركة رفح تخلُصُ إلى أن هذه المعركة هي مفصل استراتيجيٌّ بنظرِ العدو وقد جرى الإعدادُ لها على مهل قياسا بسرعةِ إلحاقِ التصريحات بالتحركاتِ العسكرية الميدانيةِ السابقة للعدو سواءٌ في قطاعِ غزة الشمالي والأوسط أو حتى في جبهة جنوبِ لبنان شمال فلسطين وكذلك في الداخلِ الفلسطيني المحتل والضفة الغربية التي استرعت استنفار العدوِ لها مبكراً وسريعا ، فالعدوُّ يعتمد على معركةِ رفح لتحقيقِ جزء مهم من أهدافِه التي أعلن عنها في عمليته في غزة وهذا الجزء هو تهجير الفلسطينيين من القطاع والذي سيعني بدوره تمكُّن العدو من الحديث عن هزيمةِ المقاومة الفلسطينية ولو إعلاميا أمام مشهد للنزوح قد يجري إعدادُه ولو ببضع خيم هنا أو هناك تستنفرُ لها آلة إعلامية ضخمة حاضرة لتهويل المشهد . ويركز العدو في فارقيةِ رفح على كون الجغرافيا فيها متصلة بالجانب المصري الذي تربطه به ” كامب ديفيد ” والتي ستلزمُ الأخير على اتخاذِ الإجراءات التي تدور في فلك الاتفاقية لا تلك التي تدور في فلك عروبةِ مصر بل ومصالحها الوطنية في الاعتبار الأول كما يرى العدو. ويؤكد هذه الركيزة لدى العدو ما نقله موقع أكسيوس الأمريكي نقلا عن مسؤولين إسرائيليين عن أن “تل أبيب” أبلغت القاهرة مؤخراً خلال جهودِها لعودةِ المفاو ضات التي تلعبُ دوراً وسيطا فيها استعدا دها لمنح” فرصة أخيرة “للتوصل إلى اتفاق مع حركة حماس بخصوص المفاوضات وإطلاق سراح الأسرى قبل المضي قدما في اجتياح رفح. وأيَّا يكنِ الدورُ الذي يعوِلُ عليه الكيانُ من مصر في معركةِ رفح لكي يثق بتحقيقِ أهدافِه ، فإنَّه يقعُ تحت مجهرِ أسئلة منطقية فر ضها واقعُ الطوفانِ من جهة ويستدعيها العمقُ العربيُّ في دولةِ جيشِ الإقليمِ الجنوبيِ من جهة ثانية “وهذه الثانية معنيَّةٌ بدقة”: هل يستوي لدى عاقل أن جهةً ما قد تو رطُ نفسها بمساندةِ ضعيف تتوالى عليه الهزائمُ العسكريةُ والسياسيةُ والاقتصاديةُ هو وكل من يدعمُه ، بعد أن كان يعدُ الدُّو ل التي تحالف معها بأنه هو “أي الكيان” بوابةُ هذه الدول للسلامِ والاستقرارِ السياسي والاقتصادي؟!!! ألا يجدُ هذا العدوُّ الغبيُّ والأحمق أن دو ل التسوياتِ معه تقفُ في أقل تقدير تتفرَّجُ عليه وهو يُهزم وينالُ الضربات ملتزمةً الحياد في مساحات زمنية من الحرب ومعلنةً إدانته على جرائمه ووحشيتِه في محطات أخرى حتى ولو كان هذا لايكفي للتعبيرِ عن العروبةِ والمناصرةِ للقضية ولكنَّه على الأقل يسلبُ العدوَّ تحالفاتِه_ وهو ما أثنت عليه المقاومةُ الفلسطينيةُ في غيرِ مرة ودعت إلى البناءِ عليه والانطلاقِ منه نحو ما هو أكثر تقدماً وأهمية؟!
هل يعتقدُ الكيانُ وداعموه أن مصر بإمكانِها أن تُضحي بكل شيء مقابل لا شيء؟! بل مقابل خساراتِ مدوية وعار لن يغسله شيء؟!
وأخيراً .. هل حقا هو واثقٌ هذا العدوُّ من أنَّ ما فعله بجهد جهيد طوال العقودِ الماضيةِ قد استطاع النيل من جيش الإقليمِ الجنوبيِ ومكَّن العدو من أن يجعل هذا الجيش العروبيَّ المخلص رهن الأموال والأدوارِ التي وزَّعها هنا وهناك؟!
هل يعرفُ العدوُّ نفسُه حجم الاختراقاتِ التي تنهش فيه من الداخلِ بفعلِ مُجنَّدين لصالحِ ذلك أو قابضين لقا ءه حتى يثق إلى هذا الحد بأنه اخترق تشكيلة جيشِ عربي له تاريخُه وعقيدتُه التي عبَّر عنها يوما قبل الطوفان الشهيد المصري العظيم محمد صلاح ، وعبَّر عنها في الطوفان جنودٌ في الجيشِ المصري هاجموا الصهاينة واخترقوا الحدود في حادثة استدعت الاستنفار البريَّ والجويَّ للكيان ولاحقا الاستنفار الإعلامي الذي ادعى بأن هؤلاء الأبطال هم مجموعةٌ من المهربين ونام الإعلام بكليته عن الحادثة التي استنفرت الكيان كله !!!
أما عسكريا :
فقد كان العدو بدأ بجس نبض جبهة جنوب لبنان في حال ذهب إلى رفح وذلك من خلال استهداف العمق الاستراتيجي للبنان وهو سورية ولم ينجح في فهم مايمكن أن تقوم به سورية في المعركة حتى تورط في استهداف القنصلية الإيرانية ليجد نفسه أمام منقلب آخر جعله يعيد كل حساباته..
ولكن الصهيوني الذي انتبه إلى فرصة التأييد الأمريكي الغربي له بعد الوعد الصادق قد انتهز هذا الظرف ليعمق أهدافه ويدعمها أكثر بإعداد تموضعاته العسكرية باتجاه رفح أولا وليترك جنوب لبنان وسورية للأمريكي في الجبهة العسكرية ثانيا- إذ تشير التقارير الواردة عن تحركات آلية العدو العسكرية في القطاع إلى فراغات استراتيجية ناتجة عن غياب ألوية واستبدال أخرى .. وهذه الفراغات في الحقيقة كنا أسميناها سابقا ” إعادة تموضع القوات “فكل ما اختفى وغاب وتبدل تم الزج به منطقيا باتجاه رفح
وفيما يلي أمثلة عن بعض التحركات للترسانة العسكرية الصهيونية
-منطقتا العمليات الشمالية والوسطى : رغم استمرار وجود الفرقة 162 في وسط غزة، فإن معظم الانتشار في منطقة مسؤولية هذه الفرقة بات استعداده لا يتعدى الكتائب دون الألوية فالجهد الأساسي والانتشار القتالي في المنطقة الممتدة من جحر الديك شرقاً إلى شارع الرشيد غربا يتركز على الكتائب التي تتوزع على نقاط معينة في هذين القسمين من القطاع.
-منطقة العمليات الجنوبية :لا يوجد أي إنتشار للعدو في منطقة العمليات الجنوبية في محافظتي خان يونس ورفح أو مقابلهما على السياج، حيث أبعدت قيادة المنطقة الشمالية كل الألوية والاستعدادات التابعة للفرقتين 98 و 99 و 252 أو التابعة للأركان العامة إلى منطقة تبعد أكثر من 20 كيلومتر داخل الاراضي المحتلة المحور الجنوبي ) خان يونس – عبسان الكبيرة – بني سهيلا – القرارة – الزنة -الفخاري : لا يوجد أي قوات للعدو منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ولا يوجد أيضا اي اشتباك او عمليات في هذا المحور. لنصل إلى : )المحور الجنوبي) محافظة رفح – خط فلاديلفيا
وهاهنا فعلى الرغم من أن العدو ما زال ينفذ ضربات مدفعية أرضية وبحرية وأحزمة نارية جوية على أكثر من نقطة في رفح فإنه لا يوجد بعد أي استعداد مناسب وكاف لتنفيذ عملية برية في محافظة رفح.
وهاهنا نقع على أمور مهمة وهي - أن إبعاد القوات إياها ٢٠ كيلومترا داخل الأراضي المحتلة ولمدة تكاد تقارب الشهر هو تكتيكٌ يؤمن للعدو غيابها عن أعين الرصد لتتنقل إلى وجهتها المرادة وتشير الترشيحاتُ الميدانية إلى أن العدو سيد عمُ من خلال هذه الألوية التي غابت عن جزئي القطاع الشمالي والأوسط جبهات أخرى ، تقعُ رفح وجنوبُ ولبنان وحتى “تل أبيب” ضمن الإعدادِ العسكري الهجومي والدفاعي في المخطط القادم ..
- ظهور أعلام” قسد “على بيوت أهل غزة المدمرة يعني أن أعلام داعش التي تقاتل في الأنفاق غالبا قد تم استدعاؤها إلى الإسناد في رفح .. فحيث تغيب القوات على البر فوق الأرض في رفح تشير قراءات عميقة مع بعض الإشارات والاستدلالات المنطقية إلى أن العدو يعد مع شركائه الأصلاء من الجيوش الإرهابية التي زج بها إلى سورية والعراق لمعركة رفح غير تقليدية “أي تحت الأرض “من جهة ثانية
وقد بدأت الترسانة الأمريكية تتموضع في المتوسط مفصحة عن نفسها بوصول بارجة قبالة سواحل غزة تتلطى بالرصيف الإنساني المؤقت والذي كاشفنا حقيقة بنائه الإسعافي لصالح الكيان عسكريا لا لصالح أهل غزة إنسانيا كما ادعى رأس الشيطان… وهذه ستلحق بها أخواتها الآثمات فوق الماء وتحته وفي أعماقه وقد بدأ ذلك حقا باستدعاء حاملة الطائرات” يو إس إس دوايت دي أيزنهاور “والمدمرة” يو إس
إس غريفلي”، من البحرالأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط .. ويؤمن الأمريكي برأيه على هذا الحضور متغاضيا عن قدراتِ جبهةِ جنوب لبنان التي لم تُفصحُ بعدُ سوى عن طلائعِ قدراتِها في المعركة ، هذه الطلائعُ كانت كفيلة بأن يجثو الأمريكيُّ على ركبتيهِ تارةً من أجل أن يخرجُ حزبُ الله من المعركة ، وأن يقدم سائر عروضهِ “المغرية” تارةً أخرى ، وأن يستخدم كل أشكالِ التهديدِ تارةً من دون أي جدوى مع حزب يؤمنُ من قيادتِه إلى أصغر طفل من عيالِه أن الطريق إلى لقاءِ الله لابدَّ تمرُّ بالقدسِ الشريف ، فترى الأطفال والنسا ء والشيو خ فيه يقدمون الشهداء وهم باسمون يدعون الحقَّ أن يتقبَّل هم على طريق القدس ، ومتغاضيا كذلك عن مخاطر استهداف المقاومة العراقية التي تكفلت بالمتوسط من خلال حبكة جاء بها صهيوني أنقرة إلى بغداد! …
وهنا الضلع الرابع !!
٤- الضلع الرابع :
صهيونيُّ أنقرة يقدُّم السمَّ الصهيوأمريكي في أطباق إسلامية .. فماذا جاء يفعلُ في
بغداد ؟!!
توأم الصهيوني في تل أبيب الصهيوني في أنقرة يحمل في جعبته صيدا ثمينا حازه مؤخرا ويوحي بأنه يرسم مع حكومة بغداد فخا للمحور تم التصريح بظله المسموم من خلال الاتفاق على عقد شراكات اقتصادية لخطوط برية تجمع القطري بالإماراتي بالعراقي بالتركي!!
أثارت زيارة أردوغان للعراق مؤخراً فيضاً من التساؤلات التي تشوبها خشيةٌ من إمكانيةِ وضعِ العراقِ تحت مظلةِ الإرادة الأمريكيةِ مجدداً ، وهذا بالضبط ما تهدفُ إليه الزيارةُ ولو إعلامياً ، فالعقيدةُ الصهيونيةُ تستثمرُ في كل ما يمكن أن يستفيد منه العدو ..
عمليا فإن ربط المشهدِ بزيارةِ قيادةِ حماس لتركيا بعد عودتها من إيران ، جعل البعض يقرأ بأنَّ تركيا ستخضع ، وسرعان ما هُرع أردوغانُ أنقرة إلى بغداد ليتمَّ تصويرُه على أنه يناصرُ القضية الفلسطينية وقد كان أول من أرسل بواخر الإنقاذِ إلى الكيان حتى قبل الأمريكي ، وليعلن أنه سيغيرُ من أسلوبِ دعمه ويقد م نفسه إمبراطوراً في العالم الإسلامي وحاميا لحمى المقدسات!!
مشهدٌ لايمرُّ طبعا على من يتابعُ لهاث هذا الأردوغان باتجاه الاتحادِ الأوروبي ، ولا على من تابع عمالته لأمريكا طوال عقود وسفكه للدمِ السوري ودوره في الحربِ على سورية قلعةِ المقاومة الصامدة ، ولا على من تابع سُفن إنقاذِه للكيان عندما هدر الطوفان !
والأكيد أن الخبث الأردوغاني لا يتوقَّعُ أن أحداً سيصدقُ ذلك .. ولكنه حقيقةً جاء يحمل في أجندته ما يعتقدُ أنه يمك نِه من التالي :- إخراجُ العراقِ مجدداً من معادلةِ القضايا العربية وإعادته إلى عراق مسلوبِ الإرادة ، وإن لم ينجح فهو يقدم صورة إعلاميا على الأقل تشي بذلك!
- تقديمُ معلومات لمخط ط هجومي أعدَّه العدو يندرجُ تحت عنوان “حرب أوسع”، ويبني فيها العدو على ما يعتقدُ أنه معلوماتٌ كافية عن إعدادِ المحور لهذه المرحلة
- ربطُ صورةِ بغداد المقاومة بعواصم تجمعها بالعدو اتفاقياتُ تسوية من أجل الإيحاءِ بأنَّ هذا المسار مازال حيَّاً ويشهدُ تطوراً
- في أسوأ الأحوال يدعمُ أردوغان أوراقه الانتخابية ، ففي حال نجح ما أوحى إليه فإنه بتقديره لن يكون بحاجة إلى أن تمرر له روسيا وإيران الانتخاباتِ بسلام فهو حينها يستعيدُ أوهامه بتدنيسِ الجامع الأموي في دمشق! ، وفي حال الفشل يكون قد دعَّم نفسه برفعِ حظوظهِ الانتخابية بعد ما أُخطِر له حول فشل قادم في الانتخابات!
أما العراقُ فهيهات ينجحُ الأمريكيُّ مهما أعدَّ له في استلابِه مجدداً وقد توضَّأ بدماءِ الشهداء والمقاومين طوال سنوا ت في حربهِ المقدسة ضد الإرهاب أولاً وتشرَّف بنُصرةِ الأقصى ملبيا أهل غزة سريعا ومهدداً الوجود الأمريكيَّ في كل من سورية والعراق ، وهذه المقاومةُ العراقيةُ العظيمةُ التي تجيدُ وحكومة السيد محمد شياع السوادني التنسيق والعمل من أجل تجوهرِ العراقِ في المقامِ الذي يليق به هي مقاومةٌ ستكونُ حيث يجب أن تكون في سياقِ المعركة ، والحدودُ التي فرَّقت بلداننا لن تكو ن موجودةً حين استدعاءِ مقاومة ما لإسنادِ جبهة ما في
أي بلد من بلدانِ المقاومة ..
وسيكونُ للعراقِ دورٌ استثنائي ومركزيٌّ في المرحلة القادمة التي بدأت في سابعِ شهور الطوفان ..
فمن حاول أن يقول لعيالِ المقاومة إن المائدة العراقية لم تعد آمنة .. سيتجرَّعُ المقاتل من الزندِ السمراء العراقية .. وسيرى بأن ما خطط له سيتكسَّرُ على أبوابِ بغداد العربية العظيمة .
وأما الإيحاءُ بأن مسار التسوياتِ مع العد وِ مازال على قيدِ الحياة فيردُّ عليه قرار حاكمِ الشارقة بمنع دخول أي صهيوني إلى الإمارة وهو قرارٌ أشادت به قياداتُ المقاومة الفلسطينيةُ ذاتُها ودعت للبناءِ عليه والاستبشارِ به ، ونحنُ نرى متابعته “بالمياومة” لأن منطق تغير موازين القوى ينظر إلى هذه القراراتِ بموضوعية طبيعية وكنتائج منطقية لمسار هزيمةِ العدو وإضعافِه مع داعميه ، ومنطِق
التاريخ يقولُ بالمتابعةِ بعينِ الحذر وعدم إعطاء المشهد أعظميةً تجعلُ التراجع عنه خطوات إلى الوراء أو المراوحة عليه وعدم تطويرِه سبباً للإحباطِ في أقل تقدير لدى الجمهور الواسع للمقاومة!
وأما عن فحوى مافي جعبةِ الأمريكي والصهيوني والتركي والذي يتخذُ سورية بالضرورة ركيزة له .. فإليكُم ما حان المكاشفةُ به :
“ما قبل حلب ليس كما بعدها”
هي كلمةٌ قالها السيد الرئيس بشار الأسد بعد تحرير حلب ، لم يعُد غريبا علينا أن سنوا ت تمرُّ على الكلمات التي يقولُها الرئيس الأسد حتى نبدأ بفهمِ معناها حقيقةً بشكل عملي ..
يفهمُ العدوُّ جيداً وقبل الحليفِ والصديقِ ربما ما سأكاشِفُه في هذه الفقرةِ حول أسرارِ معركةِ حلب ، ولكن يقتضي الحال أن نوضِح بعض ما تمَّ إنجازُه وإعدادُه على جسورِ نعوشِ شهداءِ الجيشِ العربي السوري العظيم وحلفائه المخلصين في معركة حلب ، ولماذا ما قبل حلب ليس كما بع دها، ولماذا تحدَّث السيد الرئيس حينها عن صناعةِ التاريخ؟!
أولا لمن لا يعلم فإن معركة حلب كانت معركةً دوليةً بكل ما تحمله الكلمةُ من معنى ، سياقُ الإعدادِ لهذه المعركةِ في التخطيطِ العسكري والسياسي بدأ منذ تحريرِ مطارِ كويرس ، وحول المطار وفي نقطةِ عمل على جبهاتِ النار قال قائد عسكري في جيشنا العظيم “إننا نعدُّ أنفسنا لحرب عالمية”!
وفي الحقيقة لم تكن معركة حلب سوى مسرح عملياتي حقيقي لحرب عالمية ،
اشتركت فيها ليس جيوش الإرهابِ فقط ضد جيشنا وحلفائه ، بل اشتركت جيوش أخرى منها التركية التي بات العالم كله يعرف أنها حضرت ساح المعركة ، وسواها ليس فقط من القواعد الأمريكية ، وربما يكفي أن نقول الآن بأن دبابات أوروبية كانت بحوزةِ جيوشِ حلفِ العدو في هذه المعركة ، كما لم تغب القدراتُ التكنولوجية للعدو عن المعركةِ هناك ..
هذا غيضٌ من فيضِ أسرارِ معركةِ حلب ، وقد كان مخطط العدو في حلب أنها أي هذه المدينةُ العظيمة ستكون البوابة لطريق احتلالي يغزو سورية بطرق عدة أحدها عبر الشريط الساحلي السوري الذي أريد احتلالُه تركيا لتصل المشيمةُ التركيةُ بتلك الصهيونية التي تحتلُّ فلسطين الحبيبة !!
باختصار :
قطعت سورية المشيمة التي أعد لها الغرب كله مع تركيا والكيان من خلال تحرير حلب ، وهذه الحربةُ السورية التي حضر لإتمامِ إعدادِها إخوتنا في المحور وحلفاؤنا في العالم أصابت صدر الأمريكي ، وهي حربةٌ أولى مهدَّت لملحمةِ الطوفانِ العظيم التي نراها ..
فواهمٌ هو العدو إذا ظنَّ بأن جبهة سورية هي رخوةٌ في أي مكان من أماكنِ خارطةِ المشيمةِ التي قطعتها سورية وأصابتها في مقتل !!
فما بعد حلب … ليس الكيانُ بأمان … وليس من يد يمكنُ أن تسعفه من خلال الجغرافيا السورية التي أريد إعادةُ رسمِها كرمى لعيني “تل أبيب” فقطع جيشنا هذه اليد الدولية في حرب دولية في حلب ، وأعدَّ للرفاق في المقاومة مخرزاً من شأنه أن يفقأ عيون صهيوني تل أبيب ..
حلب معركةٌ بين راحتي إيران وسورية لمن لا يعلم ، لم يغب عنها أحبتنا في الجنوب ولا بقية قوى المقاومة .. حلب معركةٌ ليست كسواها وكان الثقل في العمل فيها للجيش العربي السوري الباسل الذي قدَّم شهداءه منذ ذاك على طريق القدس !!
وهذه واحدةٌ تفسرُ هستيريا نتنياهو من سورية وقوله “كل ما يحدث في إسرائيل سببه بشار الأسد ، وكل ما يؤذي إسرائيل هو في سورية” وللحديث بقية في حينِها!
-٥- الضلع الخامس:- ورقة الحروب البديلة في دول المحور وتياراتٌ رديفةٌ تلتحقُ بالإرهابية الوكيلة لتعبِر عن الأصيلة!!
منذ قرابة الشهرين ظهرت حزمةٌ صوتيةٌ ناعقةٌ في كل دولِ المحور تُخطئُ خيار المقاومةِ في الطوفان .. ليس مصادفةً أن ذلك حدث في عدن التي عابت فجأة على المقاومةِ اليمنيةِ ما تقوم به من إذلالِ البوارجِ الصهيونيةِ والداعمةِ لها في بحارنا والمحيطات في وقت كانت فيه الرياض تحيلُ كلَّ ذلك إلى إجرامِ الصهيوني في غزة وتأبى أن تدين مقاومة اليمنِ ولو بكلمة!
وكذلك نعقت أصواتٌ في لبنان والعراق وحتى في فلسطين التي توازت فيها بياناتُ بعضِ قادةِ فتح مع بيانا ت للعدو تتحدَّثُ عن عزة ما بعد حماس وفق أوهامِ العدوِ الذي يجب أن يحضر نفسه لفلسطين ما بعد زوالِه كما قال الشهيد الكبير الشيخ صالح العاروري وكما يقولُ لسانُ حالِ الواقع ..
وأما في سورية وهذه تحتاج وقفةً متأنيَّة لأن التيار فيها سابقٌ ظهورُه لبقيتهِ في دولِ المحور ، وهذا يعودُ لمركزيةِ ما قامت به سورية في انتصارِها على هذا الشكلِ من الحروبِ بتفو ق لافت وقدرتِها على تحويلِ ما حاكه الغرب لسورية إلى مصيدة لهذا الغرب بدأ العالم يفهمُ حبكتها وبراعتها !!
بينما كان أردوغان يناورُ بخبث على طاولاتِ أستانا ويستخدمُ ملفَّ ما سمي “التقارب مع دمشق” بالكلامِ والتصريحات دون الفعل وهو مالم يمرَّ طبعا على قيادةِ سورية ، بدأت تُعلنُ عن نفسِها تياراتٌ في الجنوب السوري في محافظةِ السويداء مستخدمةً ذات الدعايةِ الإعلامية التي حمل تها جيوشُ الإرهابِ في سورية على أغصان الزيتون زيفا في بداية الحربِ على سورية ..
ارتبط هذا الحراك مع إعداد العدو الأمريكي والصهيوني لإنشاءِ بيئة آمنة لما سُمي “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا” وهو في حقيقتِه ممر عسكري من شأنِه أن يرس م جزءاً من خارطةِ وهم “إسرائيل الكبرى” وليس آخره الخليج العربي بل غلافُه الحامي في هذه النقطة هو ما كان أعدهُ الغربُ في إفريقيا من تموضعات عسكرية ووصاية سياسية سيأتي محلُّ بحثِها في المفصل الأخير من هذا البحث ..
وهنا يجب أن نبدأ بفهمِ عبقريةِ القيادةِ السوريةِ التي تُظهرُ للعالمِ كلِه أن ما يُحاكُ في سورية يدخل -بل هو أوَّلٌ – في حياكِةِ المخططاتِ الأمريكيةِ الغربيةِ للحفاظِ على الهيمنةِ على العالم والإبقاءِ على عالم محكوم بهوى القطبِ الواحدِ الاستعماري ..
ولهذه المكاشفةِ دورُها في إبرازِ هزيمةِ العدو بحجمِ ها اللازم وسلبِه قدرته على تسطيحِها أو تصغيرِها من جهة ، ولها دورُها في بلورةِ وزنِ سوريةِ المُحِق المستحق في كل ما صنعته في حربِها التي دافعت من خلالها عن كل العالم وليس فقط عن سورية وصحَّ فيها أن نقول إن سورية جسدت من خلال هذه الحرب عقيدة حرب تشرين التحريرية ، ولكن على مستوى كل أحرارِ العالم .. وغدا ستقول للعالم
الحر “اقتضتِ الرجولةُ أن نمدَّ جسو منا جسراً فقُل لرفاقِنا أن يعبروا”
ولن يفاجئنا أن يصاحب هذا وذاك تيار يعلنُ عن نفسه بأنه يدعم التطبيع مع العدو وهذه واحدة موءودةٌ سلفاً في سورية التي دفعت آلاف الشهداء على مدار أربعة عشر عاما لتحافظ على سيادتها وكرامتها وثباتها على موقفها من العدو الصهيوني المحتل وهي تصرُّ في كل مرحلة أن تقول “فلسطين بوصلتنا”
٦ الضلعُ السادس :
سادسة أضلع الإثم الصهيوني يحملها بلينكن الذي يعبر عن ذاته لاعن منصبه كما صرح غير مرة منذ بداية الطوفان ويأتي بها في ملف مع قلمين جاهزين للتوقيع في الرياض” التطبيع المستعجل مع السعودية ” وذلك للإطاحة بما يمكن أن يكون المحور قد بلوره في الخليج من ثمار دبلوماسية ليست في صالح العدو ولافي صالح “أبراهاماتِه” خصوصا خلال الطوفان الذي شكَّل مُكثِفا زمانيا بالأحداثِ من شأنِه اختصارُ مسارات طويلة من العمل حتى يتمَّ إنجازُه لا بل إنجازُ خطوا ت منه!
واثقٌ جدا بلينكن ورئيسُه بايدن من أن الرياض هي طوعُ العصا الأمريكية ، ويسوِقُ الإعلامُ الصهيوأمريكي مع كل الغربي لذلك ، وتنطلي هذه الأجندةُ على الكثيرين بسببِ عاملِ الانفعالِ الوجداني المحقِ تجاه القضيةِ الفلسطينيةِ ، وبسبب الخضوعِ لتأثيرِ أجندةِ العدو الإعلاميةِ دون الواقعِ الذي تفرِضهُ المعطياتُ على الأرض عند كثيرين كذلك ، غير أننا نجدُ أن أكثر الآراءِ واقعيةً وتعقُّلاً في متابعةِ هذا المسار
هي تلك التي تدعو لمتابعةِ المشهدِ خطوةً بخطوة ، من دون المغالاةِ في شعوري التفاؤلِ أو التشاؤم ، فالواقع يقول ليس من شيء يمكن أن يعيد واقع المنطقةِ إلى ماكان عليه قبل السابعِ من أوكتوبر .. وفي هذه سأجعلُ الحجر أكبر قليلاً من المسارِ المتعقِل ، ولنضعْ معا هذا الواقع تحت سلطةِ المساءلاتِ التالية : - ألم تتمكَّن السعودية من كسر شوكةِ التركي فالأمريكي بتحد صارخ لكلا التوجهين انتهى بزيارةِ بايدن إلى المملكة والتي وصفها الإعلامُ الغربيُّ كلُّه بزيارةِ المذلةِ الأمريكية التي مثَّلتها انحناءةُ بايدن أمام ابن سلمان في مشهد قالت عنه الصحفُ الأمريكية كما لو أنه يكاد يق بِلُ يده طلباً للنفطِ الخليجي ؟!
- الرياضُ التي استقبلتِ الصن عق ب ذلك وقبل أعوا م من الطوفان متحديةً المصالح الأمريكية لحسابِ المصالحِ السعودية التي تبحثُ عن سعودية جديدة، ألم تهمِس للبعضِ بأن المملكة تصوغُ بداياتِ استقلالِها عن الارتهانِ الأمريكي وهو ما تجسَّد أكثر برفضِ الرياضِ لطلبات أمريكية نفطية عندما كانت أمريكا تبحثُ عن إنقاذ لها من المآزقِ التي وقعت فيها إثر محاربةِ روسيا في أوكرانيا ؟
- ألم يشكل رفعُ علمِ الجمهورية العربيةِ السورية في الرياض أثناء استقبال الرئيس الصيني وهو مشهد ركز عليه كل الإعلامِ حي نها رسالةً توضِحُ أكثر أن السعودية تُغالي في تحديها الإرادة الأمريكية ؟!
- كيف كانت تداعياتُ الصلحِ الإسلامي الإسلامي بين طهرا ن والرياض على حضورِ مايُسمى الإمبراطورية الإسلامية التركية في موازين القوى والتأثير في العالمينِ العربي والإسلامي من جهة ، وعلى المصالحِ الأمريكيةِ الصهيونيةِ التي بنت كل حروبِها في المنطقة على أساسِ الاحترابِ الطائفي بين مجتمعات ودول العالمِ الإسلامي ؟!
- ألم يبدأ تجوهرُ عودةِ الثقلِ السعودي في العالم العربي والإقليمي عندما تحدَّت الرياضُ الإرادة الغربية كلَّها بدعوة دمشق إلى قمة الجامعةِ العربيةِ والتي أرقتِ العدو بشكل كبير عبر عنه مسؤولوه ومنصاتُه الإعلامية كافة ؟!
- هل يمكنُ قراءةُ البياناتِ التي أصدرتها الخارجيةُ السعودية حول ما يحدثُ في البحرِ الأحمر إلا أنها تُبرئ صنعاء من كل التُّهمِ التي ساقتها إليها أمريكا والغرب ، وتدينُ الكيان بجرائمه المتوالية في قطاعِ غزة ؟!
- ألم يأتِ بلينكن إلى المنطقة قبل شهور ويعلن أن السعودية مستعدةٌ للتطبيع مع
الكيان ، فأصدرت الخارجيةُ السعودية بيانها الذي كذب وزير الخارجية الأمريكية قبل وصولِه إلى واشنطن وبلغة متحدية صريحة ، مما سلب بلينكن حتى إمكانية تحقيقِ انتصارِ إعلامي حول زيارتِه إلى المنطقة ؟! - وبالمقارنةِ بين ما تعملُ عليه الأجنداتُ الإعلاميةُ مع المسؤولين في حلفِ العدو وبين بياناتِ السعودية وسلوكِها على أرضِ الواقع ، هل يمكنُ لأحد أن يؤكد على الأقل أن هذا العدوَّ لم يفقِد مساحةً كبيرةً من ثقلِ تحالفاتِه في المنطقة والسعودية من بينِ هذه التحالفات ؟!
- ولماذا حد ث التواصلُ بين طهران والرياض عقب الإعلانِ الأخيرِ عن زيارةِ السعوديةِ من قبل بلينكن وبايدن والحديثِ مجدداً عن التطبيع بين السعودية والرياض ، ومامعنى تأكيدِ كلا الطرفين “السعودي والإيراني” على الإصرارِ على إتمام مسار العلاقاتِ بي نهما ، والحرصِ على ذلك ، وأكثر من ذلك هل يمكنُ قراءةُ هذا التواصلِ الدبلوماسي بين المملكةِ والجمهورية والتأكيد على العلاقاتِ والحرصُ على ثباتِها وتطويرِها في إطارِ المجاملاتِ السياسيةِ فقط خصوصا عق ب عمليةِ “الوعدِ الصادق” ؟!
كل هذا وغيرُه يخلُص بنا إلى المحاكمةِ التالية :
إن المملكة لاشكَّ تصوغُ مايمكنُ أن نسميه “سعودية جديدة” غير تلك التي كنا نعرُفها سابقاً قيد الارتهانِ الأمريكي ، وإذا كان دافعُ كل ذلك مصلحةُ المملكةِ فقط ، فمن أجل أي مصلحة ستنكُتُ السعوديةُ كلَّ ما نسجتهُ سابقا لصورتِها ومصلحتِها وتط بِعُ مع كيا ن تتوالى الهزائمُ عليه ، وتسلِمُ يديها اللتين بدأتا بالتحرر لأغلالِ الإرداةِ الأمركيةِ التي تعجزُ اليوم عن إسكاتِ صوتِ الطلبةِ في جامعاتِها في صورة لا يصدَّ قُ العالمُ كلُّه أنها تحدثُ في بلادِ الشرطي الجبار الذي استولى على إراداتِ العالم كلِه وحكمه بأهوائه الاستعمارية طوال قرو ن بدأ عصرُ
زوالِها بالهزيمةِ على أبوابِ دمشق ؟!
ولماذا ستضحي السعودية بما يمكن أن تكسبه في الساحةِ الإسلاميةِ كحضور لأهم دول ة إسلامي ة في المنطقة عندما تذهبُ الجمهوريةُ الإسلاميةُ الإيرانية إلى مساحتِها العالميةِ المُستحقَّة ؟!
أليس من شأنِ هذا الفراغِ أن يكون جديراً بالتمركزِ فيه من قبلِ المملكةِ التي ستلقى قبولاً مع تقدير ومحبة في العالم العربيِ والإسلامي فيما لو أقدمت على خطوات أكثر التصاقا بالقضية المركزيةِ العربية والإسلامية وهي فلسطين ، على أن تُترك هذه المساحةُ ليتلاعب فيها التركيُّ الخبيثُ الذي يهمُّ السعودية أن تزيحه لصالحِ مصالِحها في المنطقة وهو أكثر ما يتهدُّدها فيها ؟!
وأيهما ستختارُ الرياضُ الجديدة التطبيع مع العدوِ مع كل هذا البنكِ من الخسارات، أم متابعة مسارِ التصالحِ وتعزيز العلاقات مع الجمهوريةِ الإسلامية الإيرانية ثالثةِ القطبِ الجديدِ الصاعد والتي قد تُفضلُ إنابة دورِها في المنطقة إلى السعودية على أن تتركه للترك ي الناتو يِ الخبيث ؟!
وهل ستغامرُ السعودية بمسارِ علاقاتِها مع الصينِ وروسيا وهو المسارُ الذي يمرُّ عبر دمشق ، لكي تقو ل للأمريكي تفضَّل خذْ بمصالحِ الرياضِ في أغلالِ حروبِك التي تستنزفُ كلَّ شيء من أجل المصالحِ الأمريكيةِ الصهيونيةِ فقط ؟!
بعضُ العقلِ يقول إن المملكة لن تفرط بما رسمته لنفسِها من ثقل بدأ يتجوهرُ ويُبنى عليه مقابل لا شيء !!
وبعضُ العقلِ يقول ، لن تذهب السعودية للتطبيع في وقت أعلن فيه حاكمُ الشارقةِ منع دخولِ صهيوني إلى إمارته ، وظهر الرئيس المصريُّ في غرفةِ متابعة عسكرية تظهرُ على الشاشاتِ فيها طرائقُ تدميرِ الميركافا ، وبدأت طلائعُ إعلاناتِ المقاومةِ الإسلاميةِ في البحرين باستهدافات للعمق الصهيوني وهو أوَّلُ الغيث في البحرين التي تستعدُّ لاستقبال القمةِ العربيةِ القادمةِ بتبادلِ الحواراتِ بين البين البحرين سورية حول ملفاتِ المنطقة أثناء توجيه الدعوة للسيد الرئيس
بشار الأسد لحضور القمة !!
إذن :
أضلعُ نجمة سداسية بناها العدوُّ بدقة وتحضير واستنفار منقطعِ النظير ، يهشمُها محورُ المقاومة لا مع حلفائه فقط ، بل مع تبلورات سياسية عربية وإن كان المرجوُّ أكثر منها بكثير غير أنها في أقل تقدير تُفقِدُ العدوَّ تحالفاتِه في المنطقة !
وإن كان العدوُّ يذهبُ في رفح إلى التحضيرِ لأسوأ الاحتمالاتِ في نظره “وهي أن يشار ك الجيشُ المصريُّ في التصدي له” بناءً على معلومات استخبارية لدى العدو ، ويعتمدُ تحضيراً لهذا الاحتمال على وجوده العسكري في بعض العواصمِ الإفريقية من أجل محاصرة الجيش المصري في حال أقدم على ضرب أو استهداف جيش الكيان ، أو أنه يستخدمُ هذا الملفَّ في الإيهامِ الإعلام يِ فقط ، فإن عليه أن يراجع موازين هذا الحضور بعد التحالفاتِ الإفريقيةِ الروسية الصينية السياسية والاقتصادية من جهة وما يستدعيه ذلك من قواعد حماية عسكرية من جهة ثانية ، وكذا عليه أن يراجع موازينه الاقتصادية التي تتخفى وراءها أهم الموازين العسكرية في إفريقيا ذاتِها وخصوصا في جنوبِها !
كما عليه أن يعلم بأن جبهات في الداخلِ الفلسطيني باتت أقرب إلى الإفصاحِ عن نفسِها عسكرياً مما يعتقد ، وهو سيناريو لم يغب عن عين المحورِ إتمامُه وإنضاجُه خلال عمليةِ “الوعدِ الصادق”.
وإذا كان العدوُّ يعتقدُ أن سيناريو ضربة نووية للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدأ بالإعدادِ لها من خلالِ ما نشرته “معاريف العبرية” صباح الخميس الثامن عشر من شهرِ نيسان عن أن “أقماراً صناعيةً أظهرت من خلالِ صور ضعيفة تعرُّض مفاعلِ ديمونا للاستهدافِ خلال الهجومِ الإيراني دون التأ كدِ من ذلك” وهو ما يفيدُ بأن العدوَّ يريدُ الادعا ء بأن إيرا ن هي من بدأت بالاستهدافِ النووي ، ولا يخفى على متتبِعِ العملِ الاستخباريِ الصهيونيَّ أن هذه العقلية تستخدمُ الإعلام كمنصات لتبادلِ الشيفراتِ والإشاراتِ فيما بين بعضِها البعض وبينها وبين عملائها وحلفائها ، ينضمُّ إلى هذا تصريحاتُ قادة الكيانِ التي تعدُ باستخدامِ النووي ضدَّ الجمهورية الإسلامية أو حتى حلفائها ولو قدَّموا ذلك على أنه خلافٌ يجري بين قادة الكيان من جهة أو بينهم وبين قادة أمريكا والغرب من جهة ثانية، وأهمُّ ما يردُ من تسريبات عن أن أمريكا سئلت “متى يمكن أن يتم استخدامُ النووي في الحرب ؟. فأجاب بايدن : عندما نشعرُ بأنَّ وجو د إسرائيل في خطر” وهو أمرٌ أفصح عنه بنغفير والحاخامات الصهاينة غي ر مرة وكثَّفوا تصريحاتِهم حوله مؤخراً .
وتفيدُ هذه المعلوماتُ مع تقاطعات منطقية لتصريحات أمريكية وغربية باستبعادِ استخدامِ النووي في الهجومِ الذي يتمُّ إعدادُه ضدَّ طهران بأن سيناريو تمثيلياً تمَّت صياغته من خلالِ الهجومِ النووي الذي يبني على الادعاء باستهدافِ مواقع عسكرية فوجئ العدو بأنها نووية لكي يحتوي تداعياتِ مايمكن أن يسمح باستخدامِ النووي في الرد على حلفِ العدو ، مستنداً في تمثيليتِه على دور للأقمارِ الصناعيةِ في الحلفِ المعادي وعلى رأسها الأقمارُ الصناعيةُ اليابانية ، وهنا من المنطق أن نسأل عن سبب إفصاحِ اليابانِ قبل أيام عن حطام فضائي لها في سابقة
استثنائية ، وعمن يقفُ وراء هذا الحطام الذي يوعزُ لشركاءِ اليابان وعلى رأسِهم أمريكا أن المنظومة الفضائية ليست في مأمن كما يعتقد الحلف إياه ؟!
وهل علينا أن ننسى في خضم كل ذلك مشهد القِمم في العام 2023 م :
-الروسية الكورية الديمقراطية مع ما حملته من رسائل عسكرية عبر الأمريكي عن قلقه منها ، والروسية الإيرانية التي لم تكن أقل إخطاراً من سباقتها
-الصينية الفنزويلية ، والصينية السورية ، وهذه الأخيرة التي كادت تشعلُ حرباً من قبل أمريكا لشدة ما قرأت من خطورتِها ؟!
مشهدٌ ينبغي ألا يغيب عن ذهنِ أحد وهو يتابعُ التطوراتِ التي تشهدها المنطقةُ والعالم ، ولا عن ذهن العقلية التي تقرأ سيناريوهات الحروب المتوقَّعة في المنطقة.
وكل ما سُقناه وهو غيض من يفيض يفيد بأن كل خيارات الكيان هي أوحالٌ سيغرق بها ، وأن كل ما أعده هو مصائدُ ستطبِقُ عليه الخناق أكثر ..
وأن كل جبروتِه وطُغيانه قد جرى إعادةُ تدويره من قبل قادة محور المقاومة ليحي ل هذا العدوَّ إلى المذلةِ قبل الزوال .. وهذا عين العدل الكوني!!
أخيراً :
فإن السلام يأتي بناصيتِه بإجلال إلى غزة العزة ، التي لولا صمودُها لما كنا نشهدُ عصراً يُذلُّ فيه الأمريكيُّ والصهيونيُّ كما هو الآن ، بل لما استطاعت جبهةٌ من جبهات محورِ المقاومة أن تُعبِّر عن ذاتِها بهذه المهابةِ والعظمة ..
فعلى شهداءِ غزة سلام .. وعلى شهداءِ الطريق إلى القدسِ سلام .. سلامٌ يليقُ بحُراسِ حرُماتِ الأرض ، بحبَّاتِ عيونِ الأنبياء ، بمن فرقوا الأر ض للناسِ بين الحق كلِه والباطلِ كلِه ، حتى يتبيَّن الرُّشدُ من الغِي ويصعد الناجون من كل أحرارِ العالمِ في سفينِ النجاةِ والحريةِ والمجد متوضئين بالدرب إلى القدس حيث ستكون الصلاة الكبرى التي نكبر فيها أعظم تجلياتِ تكبيرات العيد .. في عيد
التحرير الذي يرونه بعيداً ونراه قريباً بإذن الله..
فاطمة جيرودية-دمشق