لما اتعرض عليا الشغل في المنار، من 25 سنة، كنت ناوي أعتذر، كنت أخشى الاقتراب من الحزب، حتى لا أصدم ولو بشائبة، تعكر صورته، ومكانته التي رفعتها علاقتي بالسيد إلى حد القداسة..
وحينما عرفت أن سماحته هو من اختارني، لم أقو على الاعتذار.وعمليا ومعيشيا، كان الفارق هائلا بين ضآلة الراتب الشهري في المنار، مقارنة بدخلي في مصر، ورغم متعاب السفر والانتقال، والبحث عن سكن، وأثاث، وتكاليف الحياة المرهقة في لبنان، فإن كل وأي تعب ومعاناة، أهوَن من أن أرد للسيد طلبا أو عرضا، وقررنا أن يكون التعاقد لسنتين فقط.
خلال السنتين، رأيت، وقابلت، وحاورت وحدثت، وزرت السيد مرات لا أعرف عددها، لكنني أعرف أن صخرة كآبة كانت تكبر في صدري كلما شارفت مدة التعاقد على الانتهاء، فطلبت التمديد حتى وصل إلى ربع قرن.اليوم، أحسدكم يا من حسدتموني..
فليس فيكم من ذاق نعمة السمو والارتقاء كلما انحنى ليقبل يد السيد.. ليس بينكم من شم رائحة الجنة في عناقه، من تقاسم معه الطعام والشراب، من كان يشكو بين يديه.. ليس بينكم من مازحه السيد.. من دعا له بشكل شخصي.. ليس بينكم من كان يسأله: كيف الوالدة أم عمرو، كيفا الست أم حسين؟ حسين وين صار هلأ؟ الله يخليلك ياه.. ليس منكم من كان يسأله السيد: شو القصة يابو حسين؟ شو إللي مضايقك؟ليس فيكم من صلى خلفه، ليس فيكم من سبب مشكلات ومشكلات مع حرسه الخاص، وكان يصر على الوقوف خلف السيد مباشرة في الصلاة، ليقيه أي غدر، فيحسم السيد الأمر بالتفاتة وابتسامة. ليس بينكم من كان يصفه السيد بالمحب الصادق.. ليس بينكم من لم يملك تكاليف الحج، فيستأذنه السيد، (أقسم بالله يستأذنه) ويقول: (تسمح لي يا أبو حسين أشارك في التكاليف من جيبي الخاص)، ثم أفاجأ بأنه سدد المبلغ بالكامل… ليس بينكم من كان يشعر أن السيد أبوه، وابنه، وأستاذه، وحبيبه، ودليله إلى الله.
اليوم أحسدكم يا من حسدتموني، فالسيد كان نفحة من الجنة على الأرض، ويا بئس من، غادرته النفحة، وأبقته في جحيم الدنيا.