يخبرنا التاريخ أن التاريخ تصنعه الأحداث التي تغير مجرى التاريخ، حتى تصير تواريخ حصول تلك الأحداث جزءاً من الوعي الجمعي للأمة، ومجرد ذكر ذلك اليوم تستحضر الذاكرة ذلك الحدث، ومثال ذلك 6 تشرين، 5 حزيران، 25 أيار، و غيرها…
يبدو أن يوم 1 تشرين سيكون أحد هذه الأيام، عملية الوعد الصادق2، وقد قلبت موازين القوى التي توهم الكيان أنها قد مالت لصالحه، هذه العملية إما أن تؤدي إلى تهدئة على جميع الجبهات، أو إلى حرب شاملة على جميع الجبهات…
نعم، كسرت عملية الوعد الصادق العنجهية الصهيونية النخبوية و المجتمعية، و أعادت وضع الكيان الصهيوني حيث كان بُعيد هزيمة تموز 2006 كياناً قلقاً يعاني من أزمة وجود بنيوية….
بعض النجاحات المرحلية التي حققها الصهاينة، فيما خصَّ اغتيال قادة المقاومة اللبنانية، جعل هؤلاء يغيرون تعاطيهم مع الجبهة اللبنانية من منظورٍ تكتيكيٍّ إلى (رؤية) استراتيجية، تحول الهدف من إعادة سكان الشمال، و الذي بقي كحجة للعمل العسكري إلى التفكير في تغيير خريطة “الشرق الأوسط”، و هذا ما أعلنه صراحة رئيس حكومة الكيان…
أتت عملية الوعد الصادق 2 لتعطي هؤلاء الفرصة للتفكير بالنزول عن الشجرة، و قد عادت زمام المبادرة إلى محور المقاومة و قلبت  أوهام الخارطة أعلاه…
هناك بعض الأسئلة التي يجب أن تطرح هنا، و أن تطرح بصوت عالٍ، في الضربة الإيرانية السابقة في نيسان، اشتركت العديد من الدول في صدِّ المسيّرات و الصواريخ الإيرانية، ( أمريكا، بريطانيا، فرنسا و الأردن)، في عملية الوعد الصادق 2، لم تعلن إلا الولايات المتحدة عن المشاركة في عملية التصدي، و كانت مشاركتها خجولة غير أن الإعلان نفسه كان خجولاً، و أعلنت الأردن أنها سمحت للولايات المتحدة باستخدام أجوائها للتصدي للصواريخ الإيرانية…
من حيث المبدأ الفشل في صد الصواريخ عائد إلى الفشل ذاته، هذه صورايخ فرط صوتية، و لا تستطيع أي منظومة دفاع جوي التعامل معها، و لكن أنا هنا بصدد الإعلان الأردني، لماذا تعلنها الحكومة الأردنية؟…..
طبعاً، الجواب يكون في المنظور الاستراتيجي و ليس بالمنظور التكتيكي المرتبط بالحدث، الكيان الهاشمي هو أحد أخطر الحلقات في الحلف المضاد لمحور المقاومة، القضية لا تتعلق بإمكانات و قدرات الكيان الهاشمي، إنما تتعلق بالدور الوظيفي وبالجغرافيا السياسية…
طبعاً، عندما أتحدث عن الكيان الهاشمي أتحدث عن النظام الأردني، أما شعبنا في الأردن فهو شعب أصيل في أغلبه، و فيه من النخوة و من الشهامة فيما يخصّ قضايا الأمة ما يستحقُّ عليه لقب النشامى، و ليست العملية الفدائية التي نفذها الشهيد ماهر الجازي إلا إحدى الأمثلة على ذلك…
الاستراتيجية الصهيونية ترى الأردن فائضاً جغرافياً يمكن أن يستوعب أيَّ فائضٍ ديموغرافيّ…
الأردن كيان وظيفي كغيره من الكيانات الوظيفية التي تمت إقامتها في القرن الماضي، ومثاله (المشيخات الخليجية ولبنان)، هذا الكيان الوظيفي لم يكن سوى مجرد رشوى قدمها وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل عام 1920 لعبد الله بن الحسين، عندما كان في طريقه لمساعدة أخيه فيصل في دمشق، بعد أن عزله الفرنسيون، بعد احتلالهم دمشق عام 1920، طبعاً هذه (الرشوى)، لم تكن كرمى لعيني عبد الله، أو خشيةً منه، إنما كان هناك هدف استراتيجي بعيد المدى من إنشاء هذا الكيان، والذي كان يسمى (إمارة شرق الأردن)، وكانوا بحاجة شخص مثل عبد الله بن الحسين، سليل عائلة عربية كبيرة، يدعون أنهم ينتسبون للبيت الهاشمي، حتى يستطيعوا جمع قبائل شرق الأردن تحت حكمها، وترضى القبائل بذلك…..
الكيان الأردني أُنشئَ في سياق تفتيت سوريا الكبرى، وإضعافاً لدور دمشق المركزي من الناحية الجيوسياسية، فضلاً عن ذلك، أُنشئ هذا الكيان كحاجز جغرافيٍّ مابين العراق والخليج من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، الكيان الصهيوني الذي كانت تسير مراحل إقامته آنذاك بخطوات حثيثة…
كان لابد من وجود حاجز جغرافيٍّ مابين الكيان الصهيوني و العراق، البلد العربي القوي، والشعب المستعد للانخراط  في المواجهة مع الكيان الصهيوني…
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لعب الأردن أيضاً دور الحاجز الجغرافي مابين الكيان الوهابي السعودي والكيان الصهيوني، حتى يكون هذا الحاجز هو الحجة أو الذريعة للسعوديين، أمام العالمين العربي والإسلامي – وعندهم الحرمين -، أنهم لايستطيعون الانخراط بكامل قواهم في الصراع مع الصهاينة، وأنه لايمكن لهم أن يشنوا على الكيان الصهيوني حرباً، كونه لاتوجد لهم معه حدود مشتركة….
قامت العائلة المالكة في الأردن بدورها الوظيفي على أكمل وجه، على مدى القرن الماضي، في سياق تنفيذ كل المخططات الصهيونية والغربية في المنطقة، و في كل مراحل الصراع العربي الصهيوني لعب الكيان الهاشمي الدور الوظيفي الذي أُنشئ من أجله، وصولاً إلى هذه الحرب التي شُنَّت على سورية، حيث كان الأردن الجبهة العربية الأولى التي فُتحت على سورية، وإحدى الجبهات المشتعلة في سياق هذه الحرب حتى تاريخه….
“على فكرة” يكفي أن نتحدث عن الخط البري الذي يمد الكيان بأسباب الحياة والذي يمتد من الإمارات وصولاً إلى الكيان الصهيوني عبر الأردن، لنفهم الدور المحوري للنظام الأردني في أسباب بقاء الكيان الصهيوني…
طبعاً يحاول النظام الأردني التغطية على ذلك عبر بضعة قوافل مساعدات يرسلها إلى أهلنا في غزة مع بعض الطواقم الطبية، ولكن إليكم الحقيقة، بعض عناصر تلك القوافل والطواقم الطبية هم عناصر في المخابرات الأردنية يعملون لصالح الموساد، كانت مهمتهم كشف مواقع المقاومة الفلسطينية…
وهذا ليس إلا مثالاً بسيطاً على حجم انخراط هذا النظام ومؤسساته الأمنية في تنفيذ الأجندات الصهيونية….
من جهة أخرى تعتبر يهودية الكيان في “إسرائيل” ركناً أساسياً واستراتيجياً في العقيدة الصهيونية، الأمر ليس له علاقة بالحزب الحاكم في الكيان، يهودية الدولة تفترض نقاءً ديموغرافياً، العقيدة الصهيونية لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية بأي شكل على أي جزء من أراضي فلسطين التاريخية،  لأن دولة كهذه ستشكل خطراً وجودياً على الكيان، ودعكم من كل الاتفاقيات والمفاوضات والتصريحات في هذا السياق، كل ذلك في سياق كسب الوقت وإضعاف الخصم للوصول إلى الهدف النهائي، النقاء الديموغرافي الكامل للكيان….
الأردن يشكل تلك الجغرافيا التي يمكن أن تستقبل فائض الديموغرافيا من فلسطين، و إعادة تدوير تلك الجغرافيا التي تسمى المملكة الأردنية الهاشمية لتكون مستوعباً لتلك الملايين التي سيتم إلى تهجيرها من فلسطين، قد يظن البعض أن هذا السيناريو خيالياً، ولكن عندما ظهر وعد بلفور عام 1917 اعتبر الجميع أن تنفيذه ليس إلا ضرباً من الجنون أو الخيال….
قلنا أعلاه أن العائلة الحاكمة في الأردن قامت بدورها الوظيفي على أكمل وجه، وبقيت أمامهم وظيفة اخرى، هذه الوظيفة هي تهيئة الظروف المناسبة لنقل السلطة إلى البديل المناسب الذي يستكمل الدور الوظيفي في مستوى آخر….

البديل هم الإخوان المسلمون، يمتلك الإخوان في الأردن قاعدة شعبية واقتصادية قوية،  ولهم حضورهم وتأثيرهم الكبير. من نافلة القول أن التأسلم السياسي قدم خدمات جليلة للمخططات الصهيونية والغربية التي استهدفت هذه المنطقة وصولاً إلى هذه الحرب التي شنت على سورية، حيث كان لفكر التأسلم السياسي وكل الحركات الأصولية والإرهابية التي انبثق من صلبه الدور الأساس في كل الخراب الذي حل بسوريا، بل إن علة وجود (التأسلم السياسي) وحركاته، وأصلها الإخوان المسلمون، مواجهة القومية العربية التي كانت تحمل مشروعاً تنويرياً نهضوياً علمانياً…
نستطيع تشبيه الدور الوظيفي الأخير أعلاه للعائلة الحاكمة في الأردن، بالدور الوظيفي لداعش، أمريكا أنشأت داعش لا لتستمر، إنما لتكون حجة للولايات المتحدة للقدوم، مهمة داعش كان تفكيك الدول لإعادة ترتيبها وفق الرؤية الأمريكية، حيث وفرت أمريكا لداعش أسباب القوة لتسيطر وتقوض الدولة الوطنية في العراق وسورية،  ثم جاءت أمريكا بجيوشها بحجة محاربتها، حتى تقيم مكان داعش كيانات بديلة….
الأردن سيصير المركز الرئيسي الجديد لحركة الإخوان المسلمين العالمية، بعد أن تم التضييق عليهم في مصر، وتصفية حركتهم هناك، وبعد أن صاروا يشكلون عبئاً على تركيا…..
إن وجود كيان إخواني على الحدود الجنوبية من سورية، سيشكل خطراً داهماً وشاغلاً كبيراً لسورية، التي يدرك الغرب أنه  خسرها لمئة عام نتيجة هذه الحرب، بالإضافة إلى ذلك فإن الفكر الإخواني التأسلمي، هو الوحيد القادر على تسويق فكرة الكيان الفلسطيني البديل في الضفة الشرقية لنهر الأردن، واستيعاب كل فائض الديموغرافيا من فلسطين….
     
ختاماً من يعتقد أن غرفة الموك في عمان قد تم إغلاقها هو واهم، هي خضعت فحسب إلى إعادة تدوير، في سباق إعادة تدوير الكيان الهاشمي….

باسل علي الخطيب