مقال منشور في جريدة البناء اللبنانية.

الضال  بالسليقة… والضالّ استتباعا
 
لكأن كل شيءٍ كان على ما يرام ، وهنالك شعوب تعيش بجوار بعضها ، والكل يمارس حياته بطريقة طبيعية من دون منغّصات ، ثم ، وذات فجأة ، وبلا مقدّمات ، قام شعب ، يدعى الشعب الفلسطيني ، ومن دون استفزاز ، وبلا مبرّر ، قام بالهجوم على شعب آخر مسالم ، يدعى الشعب الاسرائيلي ، كافي خيره شرّه ، يمارس الحياة ، ويحب الخير للجميع ، وهو كالحمل الوديع … ولكن أولئك الأشرار المخربين الارهابيين الفلسطينيين ، ومن لفّ لفيفهم ، هاجموا ذلك الشعب الاسرائيلي المسكين ، وأعملوا فيه تقتيلًا واغتصاباً وترويعًا واحتجازاً وتقطيعًا لرؤوس الأطفال… تلكم هي القصة… وتلكم هي الحكاية… هكذا تسرد السردية في هذا الغرب القاتل… لقد بدأ الزمن في السابع من اكتوبر … وقبل ذلك لم يكن هنالك لا زمن ولا تاريخ … لم تحتل الاراضي الفلسطينية … لم ترتكب مئات وآلاف المجازر ضد الأطفال والنساء والشيوخ لإجبارهم على الهجرة … لم يؤتى بقطعان المستوطنين من كل بقاع البسيطة ليسرقوا الأرض الفلسطينية ، ويقيموا عليها بعد التهجير الدموي لشعبنا … لم يقم هذا الكيان المارق بآلاف الاغتيالات ضد قياداتنا وضد كوادرنا … ولم يعتقل هؤلاء الفاشيين عشرات الآلاف من شبابنا … وأخيراً وليس آخرًا ، لم يقوموا بالتعاون مع الغرب وبعض الأعراب بحصار قاتل لشعبنا في غزة ، لمدة ستة عشر عاماً كاد الناس يتضورون جوعاً من قسوته ، وارتقى الآلاف بسبب ندرة الدواء والاستشفاء … امّا العربي أو المسلم والذي عايش واستيقظ ونام وتعلّم وتشبّع حتى التخمة بقضية الفلسطيني ، وما حدث له منذ تباشير القرن الماضي وحتى الآن ، ورأى بالعين وسمع بالأذن كل المعاناة والتشرّد والتقتيل والتهجير الذي مرّ به شعب فلسطين ، ثم لسبب او لآخر أزاح بنفسه بعيداً ، وتمنّع وتباطأ وطنّش ونظر الى الناحية الاخرى ، وقال هذا أمر لا يعنيني ، ويكفينا ما فينا ، والشغلة طالت ، وبلدنا أولاً … هذا العربي او المسلم هو شرّ البريّة ، وهو نقيض الخير ولن يجديه فتيلًا كل صلوات الليل والنهار ، وحضور الاسحار ، ولن يجدي نفعًا حج البيت إن إستطاع اليه سبيلًا الف مرة … وليتبوّأ مكانه في جهنم خالدًا فيها كل من أدار ظهره لأطفال غزة ونساءها وهم يذبحون ، ولو أمضى كل عمره ساجدًا راكعًا باكيًا خاشعًا. 
سميح التايه