مع تعدد وسائل النقل في زماننا هذا أصبح الإنسان يطوي المسافات في وقت قصير جداً مقارنة بما كان عليه حال وسائل النقل قبل مئة عام من الآن، بل إنك لو خاطبت أحداً من القرون العشر الماضية وأخبرته بأنك تستطيع الانتقال من بغداد إلى الأندلس في نهار واحد لكان اتهمك بالجنون، لأنه ببساطة كان قطع هذه المسافة لا يتم في أقل من أربعة أشهر أو نصف عام وربما أكثر في القوافل الحولية، ولنا في معجزة الإسراء آية تدلل على استغراب وعدم تصديق الكثير أن النبي (ص) انتقل خلال جزءٍ من الليل من الحجاز إلى القدس وكانت إحدى معجزات ذلك الزمان الإلهية.

في الأمس جلست أتصفح خرائط جوجل على الهاتف باحثاً في خارطة مدينة غزة عن موقع منزلي عساني أتعرف عليه بعد أن دمرته آلة الحرب الصهيونية الهمجية، فوجدت أن الخارطة لم تُحدَّث بعد وأن صورة غزة الجميلة ما زالت على المتصفح، فرحت كثيراً بأنني استطعت التقاط بعض الصور للمنزل والحي للذكرى.

حينها ذكرت عنترة حين قال:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها
فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

خلال سعادتي وأنا أحاول ألا أضيع أي تفصيلٍ من تفاصيل الحي المهدوم في الواقع بدأت أتساءل عن المسافة بين منزلي وبين موقعي الحالي في الكويت، ثمان مئة وثلاثة وعشرون ميلاً، فقط! أي إنه يبعد عني بمعدل خمس عشرة ساعة في حال استخدمت السيارة كحد أقصى، يصعب الذهاب بالسيارة لأسباب كثيرة منها ضياع بوصلة العديد من الدول العربية، ولكن قوى المقاومة طوت المسافات بالصواريخ والمسيرات وقريباً بالمجاهدين المشاة.

وأختم بما قاله الفنان الفلسطيني الشهيد ناجي العلي – الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا القريبة، إنَّها بمسافة الثورة.
 
  
صلاح الدين حلس – الكويت