ثلاثة أحداث متلاحقة، على مدار أقل من شهر واحد، في عام ما بعد “طوفان الأقصى”، لعل أولها: تلك الضربة الكبرى التي وجهها حزب الله إلى الكيان الصهيوني، يوم الأحد 25/ أغسطس 2024م، رداً على اغتيال الحاج/ فؤاد شكر، وذلك بتدمير قاعدتي (غليلوت)، و(عين شمر)، وتحقيق إصابات مؤكدة أشار إليها السيد/ حسن نصر الله في خطابه مساء ذات اليوم، ونشرت صحف أمريكية بريطانية – وسط إنكار صهيوني – أن الخسائر البشرية بلغت (22) قتيلاً، (72) مصاباً، وشمل القتلى قيادات كبرى لم يكشف الستار عنها، مع تدمير كامل للقاعدتين.
والحدث الثاني: وهو الصاروخ اليمني الذي أطلق من صنعاء، إلى عاصمة الكيان (تل أبيب/ يافا)، بعد أن قطع المسافة البالغة 2040 ك.م، في 11,5 دقيقة!! وأحدث فزعاً كبيراً، بمقتضاه تم دخول (2,3) مليون مستوطن صهيوني في الخنادق، بما فيهم رئيس العصابة والأعضاء، في البيوت السرية (الملاجئ)، ولم يعلن أيضاً عن ذلك، أية خسائر!! وكأن الـ (340) مسيرة من حزب الله، والصاروخ الباليستي اليمني (فرط الصوت)، هي مجرد أشباه مسيرات وصواريخ، أو لعب أطفال!! وقد أطلق الصاروخ اليمني صباح يوم الأحد 15 سبتمبر الجاري، وكان رداً على قيام الكيان الصهيوني بضرب ميناء “الحديدة”، وإسناداً لغزة، كما أعلن على لسان المتحدث العسكري للجيش اليمني (العميد/ سريع). والملاحظ أنه لم يكن بين الضربة اللبنانية من حزب الله (25/ أغسطس)، والضربة اليمنية (15/ سبتمبر)، إلا ثلاثة أسابيع!!، إلا ونفاجئ بالتهديدات المتتالية على لسان النتن/ياهو (رئيس العصابة)، وجالانت (وزير الدفاع)، بالتجهيز للمعركة الكبرى والحرب على لبنان وحزب الله!!
ونفاجئ خلال يومي الثلاثاء (17/ سبتمبر)، والأربعاء (18/ سبتمبر)، بهجوم صهيوني سيبراني، عبر تدمير أجهزة (البيجر – Pigger) التي يحملها أعضاء حزب الله، على وجه الخصوص، ومواطنين عاديين، عبر آلية الضغط على بطاريات هذه الأجهزة، التي ثبت أنها مزودة بشحنة ديناميت حارقة، ويمكن التحكم فيها عن بعد!!
ذلك هو الحدث الثالث خلال اليومين السابق الإشارة إليهما (17، 18/ سبتمبر)، واستخدام أجهزة لا سلكي، أيضاً، وكلها ثابت أنها شحنات تم استيرادها من تايوان، عبر الوكلاء في أوروبا، وبالفعل الصهيوني عبر أجهزة الاستخبارات الأمريكية والصهيونية!! وقد راح ضحية ذلك ما يقرب من (40) شهيداً، وما يقرب من (4) آلاف مصاب حتى الآن، حالة بعضهم حرجة، والغالبية إصابات خفيفة!!
والسؤال: لماذا عجل الكيان الصهيوني، بهذه الخطوة الإجرامية ضد حزب الله والشعب اللبناني المدني، أليس هذا إرهاباً منظما ضد المدنيين الذين يحملون أجهزة تليفونية، تستخدم للاستدعاء والطوارئ، وفي مهن طبية غالباً؟! ولماذا لم تتم إدانة الغرب الاستعماري، لهذه الخطوة الإجرامية التي أقدم عليها قيادات العصابة التي تتحكم في الكيان، وتدير شئونه، بالوكالة عن الولايات المتحدة (الاستعمار الحديث)، والاستعماري التقليدي (بريطانيا – فرنسا – ألمانيا – إيطاليا)؟!
لعل الإجابة على هذه التساؤلات، تؤكد ذلك الترابط بين الكيان، والعصابة التي تديره برئاسة (النتن/ياهو)، وبين أمريكا وأوروبا، إلى درجة التوحد الكامل. فنحن لسنا في مواجهة مع الكيان الصهيوني، فحسب، ولكن في مواجهة مع أمريكا مباشرة، والتي تنسق مع الدول الفاعلة في أوروبا. ولذلك أرى من الضروري أن التحليل لا يجب أن ينصب، على أننا نواجه الكيان مباشرة، بل نواجه أمريكا نفسها، وكل تكنولوجياتها، وأحدث أسلحتها، وهي التي تمثل الغطاء الشامل لهذا الكيان، الذي يلعب الدور الوظيفي الاستعماري المطلوب منه، للسيطرة على الإقليم والمنطقة العربية، الغنية بمواردها، وموقعها الاستراتيجي في قلب العالم، لعدم تمكين العرب من الوحدة، ومن التقدم، واستعادة زمام قيادة الحضارة الإنسانية.
فقد ثبت أنه توجد طائرة أمريكية في المنطقة، مع بداية “الهجوم السيبراني”، المسمى بتفجيرات البيجر، قامت بالتوجيه والإشراف على العملية والمشاركة فيها. الأمر الذي يؤكد أن العدو الأصيل، هو الولايات المتحدة، والفرع هو الكيان الصهيوني، الأداة الاستعمارية. كما أعلن وعلى نطاق واسع، أن جهاز المخابرات الأمريكية، ومخابرات الكيان، قد نسقوا في الترتيب والاستعداد والتنفيذ، لهذه العملية الإجرامية، وهي من جرائم الحرب الكبرى، التي سيحاكم عليها قادة عصابة الكيان الصهيوني، ومن دعمهم في ذلك من دول الاستعمار الحديث والقديم، الداعمة بشكل كامل للكيان، وبوضوح. حتى أن تصريح البيت الأبيض، والخارجية الأمريكية، عقب ارتكاب الجريمة، أكد في المقدمة، أن أمريكا تضمن ضماناً كاملاً، وجود الكيان الصهيوني (إسرائيل)، وضمان استمراره، وضمان مصلحته، ودعمه بما لا يؤدي إلى ضرره على الإطلاق. بل أنها تطالب الأطراف العربية والفلسطينية المقاومة، بالتريث وعدم الرد، والحفاظ على الهدوء والاستقرار!! وهي تعلم أن تلك المطالبات هي في صالح الكيان الصهيوني!!
وقد استهدف الكيان الصهيوني، من جراء هذه الجريمة الكبرى، إرباك حزب الله وقادته، وتفتيت شبكة التواصل بين قياداته، ومحاولة إثناء حزب الله، وقياداته عن الاستمرار في الحرب لصالح غزة، ووقف استمرار جبهة الإسناد اللبنانية، الداعمة لغزة، بل استهدفت أيضاً، محاولة إجبار القيادة في حزب الله، عن الدخول في تسوية سياسية شاملة مع الكيان الصهيوني وأمريكا!!
إذن: ما العمل؟.. هل يمكن الاستمرار في الحرب المحدودة.. نتيجة المكسب بالنقاط، وليس بالضربة القاضية؟! فالحرب المحدودة التي تفضي بالنتيجة المحدودة، ضربة هنا.. وضربة هناك.. وخيار النفس الطويل، وامتلاك السلاح بطول الوقت، بحيث لا ينفذ طالما استمرت المعركة. أما الحرب الشاملة التي يضغط العدو الصهيوني في طريق إشعالها، فلم يعد هناك ما يبرر الفكاك من الدخول فيها وبقوة. فقد تجاوزنا خطوط الردع، إلى الهجوم الشامل، ولم يعد هناك خيار أخر أمام طرف محور المقاومة. فبدلاً من الضرب بصاروخ واحد، فليكن عدة ضربات، كل ضربة بـ (5) صواريخ على الأقل. وعلى الحدود اللبنانية، فإن تدمير المنطقة الاقتصادية للكيان الصهيوني والتي أشار إليها السيد/ حسن في إحدى خطبه مؤخراً، وتكلفتها أكثر من (100) مليار دولار، هي الحل الحتمي، ثم ضرب الموانئ. والدخول في الجليل والجولان، وعاصمة الكيان (تل أبيب)، لإسقاطها، وحال سقوطها، انتهت دولة الكيان إلى الأبد. هل من المزيد من الشرح؟! يمكن في مقال قادم (وإنا لمنتصرون).
القاهرة في السبت 21/ سبتمبر (أيلول) 2024م
د/ جمال زهران – أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية