ناصر قنديل:
– بالنسبة للذين يعملون في ميادين القتال خيار التعرض لحرب مفاجئة وكيفية التعامل معها، مسؤولية دائمة لا علاقة لها بالتحليل والاستنتاج، لكن بالنسبة للعاملين في الميدان السياسي والإعلامي وصناع الرأي العام لا يمكن وضع الاحتمالات في منزلة واحدة، لأن الترويج لفكرة حرب قادمة، بينما تكون الحرب بعيدة وخطة الاحتلال الترويج لها، يضع صاحب التحليل في خندق الحرب النفسية التي يشنها الاحتلال، كما أن التهوين من مخاطر شن الحرب بينما هي قيد الإعداد وقاب قوسين والاكتفاء بشحن المعنويات والاستخفاف بما يحضره الاحتلال يفقد صاحب التحليل مصداقيته ويتسبب بتعظيم النتائج السلبية لمفاجأة الحرب، لذلك من المهم فحص فرص الحرب التي يقال إنها قادمة، بمعايير علمية واقعية بعيداً عن الرغبات والتمنيات والمخاوف.
– عندما يقول رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزف عون ” لقد أبعدنا شبح الحرب”، فهذا يعني واقعة استبعاد الحرب ويطرح التساؤل عما إذا كان واقعياً الحديث عن إبعادها، ومقابل ماذا وبأي موازين قوى، ليصبح الأقرب إلى العقل أن الحرب لم تكن قراراً، بل كانت حملة ومناخاً أنتج في السياسة ما يكفي لسحبه من التداول، أو أنتج ما فتح طريقاً لتحقيق أهداف لا زالت قيد الإنضاج وصار حديث الحرب تعقيداً لها، وهذا معنى أن حديث الحرب عن لبنان تراجع، بينما حديث الحرب على إيران لا زال في التداول، لكن التراجع هنا والاستمرار هناك يفتح المجال للاعتقاد بأن الفارق ليس عملياتياً، بالجاهزية لحرب على إيران والتخلي عن الحرب على لبنان، بل الحاجة لمواصلة ضخ التلويح بالحرب على إيران لأن ما يراد تحقيقه ولو كبداية مسار لم يتحقق، ويفترض بمواصلة التهديد بالحرب أن يساعد في تحقيقه، بينما ما تحقق مع لبنان يستدعي سحب مناخ الحرب من التداول لمواصلة تحقيق المزيد؟
– الحرب لا يتمّ شنها في حلقة جديدة بعد حلقات نوعية ضارية منها تمّ الإعداد لها خلال سنوات، دون توافر أسباب نوعية عالية الأهمية تقول بأن ما لم يتحقق في الجولات السابقة بات في متناول اليد تحقيقه، إما لدخول قدرات عسكرية واستخبارية وتكنولوجية لم تكن متاحة في الجولات السابقة، أو لحدوث تحولات سياسية في جبهة الخصم تتيح الحصول على نتائج سياسية من الحرب لم يكن ممكناً الحصول عليها في الجولات السابقة، خصوصاً أن الجولات السابقة استهلكت الكثير من القدرات والموارد، وبات الوضع الدفاعي أكثر تعقيداً بسبب ذلك، وبالأخص أن عناصر المبادرة التي استندت إليها الجولات السابقة قد تمّ توظيفها وهي توظف لمرة واحدة، مثل شبكات العملاء واختراق الموجات وتخزين الطائرات المسيرة وتنظيم مشغليها، ولم يمر من الوقت ما يكفي لإعادة بناء بدائل تتيح التفكير بحرب جديدة، بينما على الصعيد السياسي فما مرّ من وقت على الحرب أظهر مزيداً من التماسك في البنية السياسية والشعبية المقابلة للاحتلال من جهة، ودرجة من إعادة التنظيم وترميم القدرات تجعل وضع القوى المناوئة للاحتلال من لبنان إلى إيران افضل مما كانت آخر يوم في الحرب.
– إذا كان الكلام سابقاً عن استبعاد معطيات الحرب على لبنان يحتاج إلى نقاش عند الكثيرين، فالوضع بعد كلام رئيس الجمهورية عن إبعاد شبح الحرب يفترض أن يرجح الاستبعاد، وهذا يطرح السؤال عن المقابل الإسرائيلي، وهو واضح ويمثل العنوان المشترك لـ”إسرائيل” تجاه لبنان وإيران، وجوهره قبول التفاوض دون شروط سيادية، كانت الشروط اللبنانية تتمثل بوقف الاعتداءات والانسحاب من المناطق المحتلة خارج الخط الأزرق، وقبل لبنان بالذهاب إلى التفاوض وفق صيغة مريحة لـ”إسرائيل” تحولت اإلى لقاء ثلاثي يضم رئيسي الوفدين اللبناني والإسرائيلي بلا شاهد أو رقيب سوى رئيسة الوفد الأميركي، والمطلوب من إيران الموافقة على تفاوض دون شرط التمسك بحق تخصيب اليورانيوم، والدعوات الأميركية لا تتوقف، ومثلما قدّم لبنان تفاوضاً غامضاً ضاعت فيه الحدود بين كونه تقنياً أو سياسياً واقتصادياً، وبين كونه مباشراً أم غير مباشر، تنتظر واشنطن موافقة إيرانية على التفاوض دون شرط التخصيب، ووفق صيغة تضيع فيها الحدود بين التقني النووي والسياسي والاقتصادي، وتضيع الحدود معه بين التفاوض المباشر والتفاوض غير المباشر.
– بخلاف الاعتقاد الذي يروّج له البعض عن مسعى إسرائيلي للحرب على إيران، يبدو المنطقي بعد ما تبين من عجز إسرائيلي في مثل هذه الحرب، ان التهديد الإسرائيلي بالحرب هو ورقة ضغط أميركيّة لتحقيق التراجع الإيراني بمثل ما تحقق التراجع اللبناني.
