يمتلئ الفضاء السياسي والإعلامي بسرديات كاذبة وأخرى مختلقة كرد فعل دفاعي وهمي …
تتمحور حول السرديات الكاذبة جماعة منظمة لا يظهر ترابط واضح فيما بينها ، وهي تشكل مجموعة عازفين منفردين كل منهم يعزف مقطوعة تخص آلته الموسيقية ، ولا فرق بأن يكون على دراية أو عدمها من النوتة الكاملة التي تشكل السردية …

هذه الاستعارة للتشبيه تأخذ في الواقع عدة خطوط : منها ما يحمل طابع “التقرير الاستخباري”، ومنها عبر “مصادر دبلوماسية” ، وأخرى “مراجع من قلب القوة الفاعلة” ، وتتوّج بسند من كتاب يصدره على صورة مذكرات لشخصية كانت تحتل منصباً مقرراً في صناعة الأحداث …
وهذا الأخير يتكئ عليه من يصنفون مثقفين ومؤثرين في صناعة “الرأي العام” ….

والحال هذه لا يمكن مواجهتها واكتشاف حقيقتها من خلال متابعة “الأخبار” وقراءة المقالات المنشورة في كبريات الصحف أو المواقع الإلكترونية ، حيث يصعب على المتلقي التحقق من صحة هذا الخبر أو ذاك التحليل ، خصوصاً وأن الإعلام الترويجي يُجنّد على مستوياته المختلفة لتسويق هذه السرديات ….
وتقع تحت وطأة هذه السرديات مراجع تحتل مناصب سياسية ودبلوماسية وتساهم في تسويقها …

في المقابل تغيب الرواية البديلة للقوة الفاعلة أو المُناط بها التصدي لما وراء السردية الكاذبة ، فتلجأ إلى خطاب المبادئ المجردة والايديولوجية ، وتحتها تتبرع النخبة الدعائية في إملاء الفراغ من خلال سرديات مضادة مختلقة مبنية على أحداث مبالغ في خلفيتها ودوافعها في محاولة منها لحفظ شيء من التوازن الوهمي وإشاعة الأمل باستعادة المبادرة في صناعة الأحداث …

هنا تغيب (بكسر الغين) أو تُغيّب (بفتح الغين) الوقائع الملموسة ومسار الأحداث ، ويجري الانتقال إلى بحث في المبادئ المجردة مثل :
“هل نحن في نصر أم هزيمة”؟.
وينقسم الرأي العام بين من يعدّد الخسائر وبين من يلجأ إلى الخطاب التعبوي والقيمي …
والأسوأ من هذا وذاك الرأي المبني على كلمة “لو” الذي يعتقد أن مسار الأحداث كان لينقلب باتجاه معاكس “لو” تمّ فعل كذا وكذا

كل هذا يجري في وقت لم تنتهي فيه الحرب ، والتي لا تنتهي الا بأحد أمرين :
إما أن يعلن الطرف المهزوم استسلامه ، أو أن يباشر الطرف الذي يزعم الانتصار في تنفيذ مشروعه ويفرض مساراته على قاعدة : “إن الحرب وسيلة وليست غاية بذاتها “….

في المشهد العام يجمع المراقبون على أن الولايات المتحدة التي أدارت بنفسها هذه الحرب واستخدمت فيها القوة المفرطة ، سواء بشكل مباشر او عبر أداتها الرئيسية المتمثلة بالقاعدة الاعظم لها في المنطقة أي الكيان الصهيو/ني ….
ولم تستطع أن تحقق أهداف الحرب باعتراف كبار المسؤولين فيها ، أو من خلال المطالب التي تمليها على أدواتها في استكمال أهداف الحرب مثل : إعلان هزيمة قوى المقاwمة ، وتجريدها من أسلحتها ، وإبعاد رموذها وقواها عن إدارة البلاد أو المناطق التي لها نفوذ بها …

في حين ثبت عجز الأدوات الأخرى من دول وكيانات وفعاليات عن تحقيق هذه الأهداف ولأسباب مختلفة ، بعضها لأن له حسابات ذاتية ومصلحية لا تتناسب مع الأهداف التي تمليها عليه الإدارة الأمريكية مثل تركيا ومصر ، أو لكونها عاجزة عن تنفيذ ما يرسم لها من برامج مثل كيانات الخليج والعراق والاردن وسوريا ولبنان …

ويتوّج هذا العجز بانعدام القدرة على تشكيل تحالف دولي أو إقليمي ينفذ ما تخطط له الولايات المتحدة ، كما أنها لا تستطيع أن تقحم جنودها وقواعدها في المنطقة بشكل مباشر ، وهي في الواقع تعيش حالة نزف واستنزاف لمواردها وقدراتها التي تحتاجها للمواجهة الكبرى مع روسيا والصين لقطع الطريق على المتغيرات العالمية ، والتي لم تعد تتيح لها لا الوقت والقدرات على إنتاج تسويات تلبي حاجاتها في تكثيف الاستغلال للموارد الطبيعية والتحكم بالمعابر الدولية في البر والبحر كشرط للتحكم في عالم من دونه لا حياة للامبراطورية الأمريكية …
ولا بد من ملاحظة ان جميع ساحات الحروب التي غذتها وعملت عليها الولايات المتحدة بقيت القوى المناوئة لها تمثل القوة الأكبر في ساحاتها …
وأصبحت جميعها حلقات متصلة إن قطعت واحدة منها تتداعى خلفها كل الحلقات الأخرى …

وختاماً .. إذا كانت الولايات المتحدة تسعى إلى تكثيف وتعظيم استغلالها فإن من يواجهها ولو رغب في أي تسوية معها فإن المطروح عليه شيء وحيد وهو أن ينتحر ويقتل نفسه …
فلا هي تستطيع التعايش معه او احتوائه ، ولا هو راضٍ بالانتحار او الاستسلام ….
حسن عماشا