قرأتُ مجدَكِ في قلبي وفي الكتبِ، شآمُ ما المجدُ؟ أنتِ المجدُ لم يغبِ…
بهذه الكلمات التي خطّها سعيد عقل، وحفظناها بصوت فيروز، سأبدأ.
ذهب الشرع إلى أمريكا، يا لهذا الإنجاز! فسوريا اليوم تتقارب مع أعظم قوة في العالم، هكذا يرى البعض المشهد، بينما في الحقيقة أن أمريكا هي أعظم قوة في العالم، ولكن ليست كل قوة مباركة هي قوة عظيمة، بل هي أعظم قوة طاغية، وأعظم قوة شيطانية تريد الهيمنة والسيطرة. فأينما حلت، حلّ الخراب، بدءًا من الديون والخلافات الداخلية وتقسيم الدول، وصولًا إلى رسم صورة الذلّ التاريخية لكل من تبعها.
“قوة بلا ضمير تصنع خرابًا بلا حدود.”
نعم، زار الجولاني البيت الأبيض، ولكن ليس بالزيّ الذي صنع به، بل بربطة عنق حوّلته إلى «أحمد الشارع». زاره من الباب الخلفي، وجلس هو ومن معه جلسة الأذلاء أو العبيد أمام سيدهم، يتلقّون الأوامر ويقدّمون فروض الطاعة والولاء.
لنعد إلى فيروز، هل غاب مجد الشام بغياب دولتها؟ نعم، قد حصل هذا، فسوريا القلعة، وقلب العروبة النابض، باتت في أحضان الأمريكية كغيرها من الدول العربية المنبطحة. يبدو أن الجولاني فعلًا أراد الوصول إلى القدس كما كان يكرّر، لكنه أراد الوصول إليها زحفًا، منبطحًا كأقرانه الموجودين حاليًا، ويا ليته أراد أن يصلها شامخًا، مجاهدًا، مقاتلًا كما كان يروّج لكذبته البراقة.
فُتحت أبواب البيت الأبيض، ولكن من الباب الخلفي الذي يدخله عادة الخدم وعمال النظافة. وتجدر الإشارة هنا إلى أننا نحترم كل عامل شريف مهما كانت مهنته أو جنسيته أو دينه، ولكن في بروتوكولات السياسة والاستقبالات، خاصة على صعيد رؤساء الدول، يعد هذا الفعل إهانة. فلماذا لم يدخل كرئيس دولة لها ثقلها الإقليمي وأهميتها الجيوسياسية في المنطقة؟ على الأقل احترامًا لعقول من يشاهد هذه الصور. هل هكذا تُبنى الثورات؟ وهل هكذا تُصحح المسارات؟ ما حصل ليس عابرًا، وتعليقنا على هذا الأمر ليس حقدًا كما يفسره البعض، بل حرصًا على سوريا العربية، سوريا الدولة، سوريا الشعب الكريم.
“لا كرامة لأمة تبيع مجدها في سوق الولاءات.”
مؤسف جدًا ألا يتعلم العرب، وألا يصلوا إلى مرحلة الصحوة بعد كل ما حدث. مؤسف جدًا أنهم لم يفهموا أو يدركوا حتى اللحظة أنهم أُكلوا جميعًا عندما أُكل الثور الأبيض، (حكاماً و شعوباً) فضاعت فلسطين، وكلما مرّت السنون أصبحت أبعد. ولكن سعي الأحرار أعاد نبضات قلب هذه المنطقة في الطوفان وقرب المسافة .
أما مراحل السقوط الباقية فقد توالت، عندما سقطت بغداد عام 2003، وستسقط الكثير من العواصم إن بقي الأمر على حاله. ولن تتحرر هذه العواصم أو هذا الوطن العربي الكبير سوى بتحرير فلسطين، فخلاص فلسطين يعني خلاص الأمة، وبقاؤها محتلة يعني أن الجميع سيسقط في الهاوية. هذه الهاوية التي تزداد عمقًا مع سقوط كل عاصمة، فبعد بغداد تم التركيز على العديد من العواصم، وكان الهدف الوصول إلى دمشق، وقد حدث ذلك، أُسقطت دمشق. وعلى ما يبدو أن القاهرة بدأت تهترئ، وبالتالي حتمًا ستكون الرياض التالية، فالتركيز يجري على الدول الأكبر، والأغنى بالموارد، والأكثر أهمية جغرافية، ليُعمل على المشروع بهدوء، ويُعلن لاحقًا كيانٌ كبير يؤيده الغرب قاطبةً بدولته العميقة.
للمصادفة أن الجولاني من مُعاقَبٍ وإرهابيٍ مصنَّفٍ دوليًا إلى رئيس دولة عظيمة كسوريا، وللمصادفة أيضًا أن لاجئًا سمسارًا كثُرامب أصبح رئيسًا لدولة مهمة كأمريكا. الأمثلة على المجرمين الحاكمين أو السماسرة لا تنتهي. عودوا إلى تاريخ كل رئيسٍ موجود، ستتفاجؤون بأن من يحكم العالم عصابة إلا ما رحم ربي، وعندها يمكنكم الربط بين من يعتلي العروش والمنابر، وبين ما يُخفى عن الجمهور وراء ستار المسرح.
العالم بات مسرحًا حقيقيًا، ولا أحد يعلم ما يدور في الكواليس إلا أصحاب البصيرة الذين يدركون من هو المخرج الحقيقي، وما هدفه من هذا العرض.
كنت قد ذكرت أن مجد الشام غاب، وأكدت بالإجابة نعم، ولكن هل سيبقى غائبًا؟ تاريخيًا، هذه المنطقة تعج بالمفاجآت، بل وهي من يصدّر الوجه الجديد لكل العالم.
“من رحم الألم يولد الصمود، ومن عمق الانكسار يخرج فجر الأمة.”
