عُقِدَ بالأمس في بيروت المؤتمر القومي العربي الرابع والثلاثون بدعوة من العروبي المؤسس معن بشور، والأمين العام الرفيق حامدين صباحي، والمناضل الكبير الرفيق القائد جورج عبد الله، وأكثر من 250 شخصية قيادية مقاومة، كالقائد السيد الحوثي، والقائد خليل الحية، والقائد زياد النخالة، والرفيق جميل مزهر، وقياداتٌ كبيرة من حزب الله، ومن شتى التيارات المقاومة في لبنان وفلسطين والوطن العربي.
لقد كان هذا المؤتمر الجامع بيتًا يضمُّ كلَّ عربي يعتنقُ المقاومة ويؤمن بأن فلسطين من البحر إلى النهر، ويرى أن الكيان السرطاني المزروع في قلب الوطن العربي هو العدو الأول لهذه الأمة ويجب مجابهته بشتى الطرق وعلى رأسها الكفاح المسلح. لم يقتصر هذا المؤتمر على المقاومين المنتمين للقومية بمفهومها التنظيري الحزبي الضيّق، بل شمل كل شخص يؤمن بالمقاومة، وبوصلته هي فلسطين بغضّ النظر عمّا إذا كان تياره يمينيًّا أو يساريًّا أو قوميًّا أو اشتراكيًّا أو ماركسيًّا أو لينينيًّا، أو إن كان مسيحيًا أو مسلمًا أو شيعيًا أو سنيًا أو غيرها من التصنيفات التي كرَّس العدو المليارات والأسلحة لتفتيت الأمة على أساسها.
هذه الأحزاب والتيارات السياسية القائمة على الفكرة الوطنية الأصيلة كانت دائمًا عقبة أمام العدو الصهيوني، وعمل العدو الصهيوني على القضاء عليها بشتى الطرق، وأبرز من سهّل له هذه الخطوة أصحاب الفكر المتطرف الذين لم يُطلِقوا في حياتهم رصاصة واحدة تجاه الكيان الصهيوني، إذ قاموا بإيهام شعوب منطقتنا أن هذه التيارات تتعارض مع الأديان وتبعدنا عن الخالق، فأدّى هذا إلى صعود بدائل جديدة مناطقية ودينية وطائفية وعشائرية، فانقسم المجتمع معنويًا واجتماعيًا على هذا الأساس، وهذا الانقسام يشكّل البنية الأساسية لأي تقسيم سياسي في الدولة، فاستطاع العدو بذلك استبدال تيارات سياسية تدعو إلى وحدة الوطن العربي وتعتبر الكيان الصهيوني عدوها الأول وترفض سايكس بيكو بجهات قبلية ودينية تسعى إلى تقسيم المقسَّم إلى دويلات صغيرة يكون الصهيوني وصيًّا عليها، وما جرى ويجري في سوريا أكبر مثال على هذا.
الفكر القومي العروبي لا يتعارض مع أي فكر ديني أو فئوي، فالوطن العربي العروبي هو قلب الرسالات السماوية الثلاث.
السيد الشهيد القائد حسن نصرالله كان عروبياً وطنياً، وكذلك الشهيد القائد المشتبك يحيى السنوار، وغيرهم الكثير من القادة الكبار، ويظهر هذا بشكل كبير في خطاباتهم، وكانت تذوب هوياتهم الفرعية لمصلحة الوطن، بل، بمعنى أعمق، فالوحدة هي المصلحة العليا التي لا بديل للوطن عنها، وهي السبيل الأوحد لمواجهة العدو الصهيوني المتوحش. فجوهر هذه الهويات النبيلة يدعو إلى الفكر الوطني العروبي الجامع الذي لن يفهمه أصحاب الفكر المتطرّف ولن يروق للصهيوني الذي يعمل على إحباطه.
المؤتمر القومي العربي الـ34، ما يميّزه عن غيره من المؤتمرات السابقة أنه جاء في توقيتٍ مفصلي في عمر الأمة، فما قبل طوفان الأقصى ليس كما بعده، ناهيك عن أن العدو كَشَرَ عن أنيابه التوسّعية ويمضي قُدُماً نحو تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى” الإرهابي.
سيؤلم العدو الصهيوني أن يُعمّم هذا الفكر الذي تجلّى بخطابات القادة في المؤتمر القومي العربي الـ34 على هذه الأمة التي بذلت الصهيوأمريكية المليارات لإغراقها في النزاعات الطائفية والقبلية، فبعدما نجحت مؤامرة العدو في سوريا، قلبِ العروبة النابض، جاء هذا المؤتمر مؤكّدًا على أن هذا الفكر الذي كانت تمثّله سوريا ما زال موجودًا حيًّا في أمتنا الموحّدة على فكرة الوطن والمقاومة.
مثّل المؤتمر القومي العربي الـ34 معسكرًا للمقاومة وبيتًا لكلّ مقاومٍ وحرٍّ وشريفٍ بغضّ النظر عن دينه أو انتمائه، وكلّ الذين شاركوا فيه اجتمعوا على فكرةٍ واحدة هي المقاومة حتى التحرير، لا تطبيع، لا اعتراف، لا تصالح مع العدو الصهيوني، واجتماعهم بحدّ ذاته هو ردّ الفعل الأمثل على خطة المشروع الصهيوأمريكي بتفتيت أوطاننا بالاقتتال الطائفي والمذهبي والقبلي، ومن بين الرسائل التي لا تُحصى والتي وُجِّهت في المؤتمر أيضًا، رسالة لبعض العملاء داخل لبنان بأن بيروت ستبقى مدينة الحب والمطر والمقاومة.
أبو الأمير – القدس
