وجّه نائب الأمين العام للجبهة الشعبية الرفيق جميل مزهر، التحيّة لأبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة الصامد، كما وجه التحية شهداء ملحمة طوفان الأقصى، القادة العظام: حسن نصر الله، إسماعيل هنية، يحيى السنوار، محمد الضيف، نضال عبد العال، وقائمة طويلة من الشهداء الأبطال.

جاء ذلك خلال كلمة لمزهر خلال افتتاح الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي في بيروت، وجه خلالها التحية الخالصة إلى الأمين العام، الأخ حمدين صباحي، وإلى جميع أعضاء المؤتمر في أقطار الوطن العربي كافة. واللجنة التحضيرية التي عملت بجد وإخلاص لإعداد هذه الدورة في ظرف استثنائي تتشابك فيه التحديات السياسية والفكرية والإنسانية للأمة.

وأضاف مزهر في كلمته: “نلتقي اليوم في الدورة الرابعة والثلاثين للمؤتمر القومي العربي في بيروت، مدينة الشهداء والمقاومة، في لحظة تاريخية فارقة تشتد فيها الهجمة على فلسطين وشعوب أمتنا، وتتَعاظم مسؤوليتنا القومية في حماية هوية الأمة ومشروعها التحرري. ونلتقي لنجدد العهد على إرادة النضال والكفاح ضد العدو الصهيوني الذي كان ولا زال وسيبقى عدوا لكل إنسان عربي، ضد مجرمي الحرب ومن يتحالف معهم، معلنين أننا لن نستسلم وأن القتال والنضال مستمر حتى تحرير فلسطين، كل فلسطين، وإنهاء نظام الإبادة الصهيوني ومعاقبة مجرمي الحرب؛ فالجواب على الوحشية والإبادة ليس الاستسلام ولكن مزيد من الصمود ومزيد من المقاومة”.

وأكد نائب الأمين العام للجبهة على أن رسالة فلسطين ستبقى حاضرة، رغم كل جراحها وألمها، من غزة الكرامة والضفة والداخل المحتل و القدس، حاملة صوت أسيراتنا وأسرانا الأبطال ومنهم الرفيق القائد أحمد سعدات، وصوت عائلات الشهداء والجرحى والنازحين، أطفالا ونساء، والصامدين في الخيام ومراكز الإيواء، أو الثابتين على ركام بيوتهم.

وأشار إلى أن المؤتمر ينعقد اليوم في ظل حرب إبادة يمارسها الاحتلال في غزة تستهدف الإنسان والحجر وتسعى لطمس الوجود الفلسطيني وإغراق الأمة في دوامة التبعية والتطبيع، وفي ظل مشروع العدو في تصفية الوجود الفلسطيني في الضفة المحتلة وحصره في معازل، وإنهاء أي ملمح لكيانية سياسية فلسطينية موحدة. ومع ذلك، فإن صمود غزة والمقاومة وحراك الشعوب العربية والدولية فلسطين أعاد البوصلة إلى فلسطين، وإلى بؤرة الوعي العربي وجعلها قضيتنا المركزية.

وتابع: “المعركة لم تنته؛ ومن المبكر إعلان نصر قبل استيفاء شروطه، كما أن اليأس واعتناق خيار الهزيمة مرفوضان طالما بقي الشعب يقاوم بصمود وببسالة. فهذه الأمة قادرة بمقاومتها وإرادتها ووحدتها وتلاحمها وحشد قواها الحية على إفشال مخططات معسكر العدوان وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية لتصفية كل مظاهر المقاومة العربية، واستباحة المنطقة بأكملها”.

وأردف مزهر قائلاً: “نقول للصديق كما لكل معسكر العدوان الاستعماري الذي يحلم بإسقاط الأمة العربية بأكملها واستباحة عواصمها: قد تقف دباباتكم اليوم قرب دمشق، لكننا ما زلنا نقاتلكم ونواجه هذا المسار التاريخي في القدس عبر قرن من المقاومة والصمود. القدس وغزة ونابلس وجنين لم تسقط؛ شعبها وأبناؤها يرفعون راية العروبة بإرادتهم وتضحياتهم وصمودهم المدني والسياسي والثقافي. لا زال لم يع الفارق بين أمة متجذرة في أرضها وبين حملات الغزو التي تحطمت مرارا على صخرة عزيمتها”.

وأكد مزهر على أن المَهمّة في هذه الدورة هي تحويل الغضب الشعبي وصمود المقاومة وبطولات شعبنا العربي في جبهات المواجهة في فلسطين ولبنان واليمن، إلى رؤية استراتيجية وعمل جماعي منظم يعيد للمشروع القومي العربي مكانته كقلب نابض للأمة ودرع يحميها من التفكك والهيمنة. لذا، فإن المطلوب اليوم الانتقال من التضامن إلى الفعل، من الشعارات إلى البرامج العملية، وذلك عبر خطوات تبدأ بإصدار برنامج للعمل مع كل القوى العربية، عنوانه الأساسي رفض أي تراجع أو استسلام أمام الهجمة الاستعمارية الجديدة، والتمسك بحقنا وواجبنا في المقاومة بكل أشكالها، وبالدفاع عن أمتنا وعن خندقها الأول المتمثل بقضية فلسطين وشعبها، وحشد كل الطاقات لأجل هذا الواجب.

كما شدد مزهر على ضرورة رفض المخطط الأمريكي والاستعماري لتصفية قضية فلسطين، وعلى التزام كل القوى العربية بتظهير هذا الموقف وتضمينه في برامجها، وتشكيل لجنة من المؤتمر تختص بتنسيق العمل على مواجهة مخططات التصفية، والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ورفض أي محاولات لتغييرات ديموغرافية أو إدارية في غزة أو فصلها عن باقي الأراضي الفلسطينية، والتصدي لمحاولات خلق واقع ميداني جديد يخالف القانون الدولي.

ودعا مزهر لدمج المؤتمر القومي بكل ثقله في جهود التعافي وإعادة الإعمار، وإرسال وفود إلى غزة للمساهمة في عملية التعافي والإغاثة، ودراسة فكرة أن يكون هناك وفد من المؤتمر وحضور ميداني على أرض الواقع في غزة، وعلى هذا الأساس تتشكل لجنة غزة العربية، لدعم تنمية وإعمار وازدهار غزة، وإعلانها عاصمة للهوية العربية مطلع العام القادم على أقصى تقدير.

كما طالب بإطلاق حملة قانونية عربية ودولية موحدة لتوثيق جرائم الحرب وملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية بالتنسيق مع منظمات قانونية ومراكز أبحاث عربية، وبناء في الوقت نفسه جبهة إعلامية عربية موحدة لمواجهة الدعاية الصهيونية وإعادة صياغة الخطاب العالمي حول العدالة في فلسطين؛ وأهمية إنشاء منصة تنسيق عربية دائمة تجمع النقابات والأحزاب والمؤسسات الأهلية لتوحيد دعم صمود الفلسطينيين ميدانياً، وتنسيق الجهود الإغاثية والإعلامية، مع بحث تأسيس صندوق شعبي عربي لدعم غزة وصمود أهلها.

وأشار نائب الأمين العام للجبهة إلى ضرورة أن تواصل جامعة الدول العربية في جهود الوحدة الوطنية الفلسطينية، ورعاية المصالحة الشاملة، وترتيب البيت الفلسطيني على أسس ديمقراطية ووطنية جامعة، ومواصلة الضغط بكل الوسائل لتثبيت وقف إطلاق النار الشامل ورفع الحصار فوراً، والعمل مع القوى البرلمانية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة خروقات الاحتلال، وممارسة ضغط فعال في كل المحافل لإجباره على الانسحاب من كافة أراضي غزة، ووقف انتهاكاته في الضفة، وإطلاق سراح جميع الأسيرات والأسرى، وتنفيذ التزاماته وفق القانون الدولي.

وأضاف قائلاً إن “الصراع اليوم هو معركة هوية ووجود بين مشروع تحرري عربي واستعماري إحلالي. لذلك، يجب بناء عقيدة استراتيجية عربية تعيد تعريف الصراع كتحرر شامل، وتعزز التنسيق بين المقاومة العربية، شعوب المنطقة، وحركة التضامن الدولية، وتواجه التطبيع بخطط كفاحية وسياسية وثقافية وإعلامية واقتصادية”.

ولفت مزهر إلى أن تجديد المشروع القومي العربي يتطلب نهضة فكرية تربط بين التحرر الوطني والتنمية والعدالة الاجتماعية، مع إطلاق برنامج ثقافي عربي مشترك حول فلسطين ودمج الشباب في صياغة المشروع القومي الجديد. المؤتمر القومي العربي يجب أن يتحول من رمز إلى مركز تفكير وعمل ميداني، بإعادة هيكلة الأمانة العامة لتضم طاقات شبابية وخبرات فكرية متنوعة من مختلف الأقطار العربية، وأهمية إطلاق شبكة تواصل رقمية، وضمان تنفيذ قراراته وتحويل التوصيات إلى فعل ملموس.

وختم نائب الأمين العاك للجبهة الشعبية كلمته مؤكداً: “لا يجب أن نبدأ من الصفر، بل من إرث طويل من النضال والتضحيات. غير أن التحدي اليوم أعظم والمسؤولية أعمق. فلنجعل من هذه الدورة نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من العمل القومي المنظم، تعيد للأمة ثقتها بذاتها وتوحد طاقاتها حول فلسطين، جوهر العروبة وقلبها النابض وميزان كرامتنا”.