تأخذ زيارة وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي إلى الجزائر أهمية خاصّة جدّا، لسببين اثنين على الأقلّ:
أوّلا: على المستوى البروتوكولي حيث استقبل الرئيس الجمهوريّة عبد المجيد تبّون الوزير التونسي، في رسالة مفادها أنّ الزيارة تأخذ طابعًا خاصّا، في مثل هذه الظروف التي تمرّ بها المنطقة ومن ورائها كامل العمقين الافريقي كما العربي وكذلك الإسلامي.
ثانيا: على مستوى محتوى الزيارة، حيث أشار بيان لوزارة الدفاع الوطني الجزائرية، نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، أن «الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، استقبل اليوم الثلاثاء بمقر أركان الجيش الوطني الشعبي، وزير الدفاع الوطني للجمهورية التونسية، السيد خالد السهيلي، الذي يقوم بزيارة عمل إلى الجزائر على رأس وفد عسكري رفيع المستوى».
دائمًا حسب البيان «حضر اللقاء كل من الأمين العام لوزارة الدفاع الوطني وقادة القوات وقائد الحرس الجمهوري ومدير الديوان لدى وزارة الدفاع الوطني وقائد الدرك الوطني بالنيابة ورؤساء الدوائر والمراقب العام للجيش ومديرين مركزيين من أركان الجيش الوطني الشعبي ووزارة الدفاع الوطني، إلى جانب أعضاء الوفد التونسي الزائر».
أهمّ من حضور قيادات الجيش الجزائري هذا الاجتماع، هو إعلان ذلك من خلال بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع، مع العلم أنّ المؤسّسة العسكريّة في الجزائر ليس من عاداتها (في كلّ حالات على الأقلّ) الإعلان في جميع الحالات عن الأطراف المساهمة في مثل هذه اللقاءات.
كما جاء في البيان «ان الطرفين استعرضا خلال هذا اللقاء “فرص التعاون العسكري الثنائي، وكذا سبل تطوير وتعزيز التنسيق في المسائل ذات الاهتمام المشترك، كما تناولا التحديات الأمنية التي تعرفها المنطقة الإقليمية وتبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا الراهنة».
وأيضًا «أمضى الجانبان على الاتفاق الحكومي المشترك للتعاون في مجال الدفاع بين وزارتي دفاع البلدين، والذي يُعد محطة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين وخطوة هامة على مسار تعزيز العلاقات العسكرية الثنائية».
من هذه النقاط الثلاثة: استقبال الرئيس الجزائري للوزير التونسي، طبيعة من حضروا اللقاء في وزارة الدفاع، وكذلك امضاء الاتفاق الحكومي المشترك للتعاون في مجال الدفاع، يبدو جليا أنّ ما دفع إلى مثل هذه الزيارة وما سينتج عنها، أمور على قدر كبير من الاهميّة، حين جاء التأكيد من العاصمتين تونس والجزائر أنّ اللقاءات العسكرية تمت بين مسؤولين من رتب مرتفعة، بمعنى القدرة الكبيرة على التحليل وسرعة اتخاذ القراءات،
لا يمكن قراءة هذه الزيارة عن التوتر الممتد من المحيط الأطلسي إلى بحر الصين، وفق نظريات الدوائر ذات الشعاع المختلف لكن تمتلك المركز ذاته.
أوّلها ارتدادات ما يجري في شرق المتوسط، وما عليه الوضع هناك من توتّر على جميع الجبهات، ممّا يفتح الأمر على جميع الاحتمالات.
عندما يعلن رئيس أركان الفريق أول السعيد شنقريحة، المعروف عنه القطع مع كلّ أشكال البهرج والاستعارة عند التصريح: «أن التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه منطقتنا تفرض علينا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، تعزيز العمل المشترك وفق رؤية متكاملة ومتبصرة ترتكز على الحوار والتنسيق وتبادل الخبرات والممارسات الفضلى في ميادين الاهتمام المشترك»، فذلك ليس فقط وجود هذه التحديات، بل وجوب الاستعداد لها.
يبقى السؤال قائما في تونس، بمعنى داخل حدودها، حول الأهميّة التي توليها النخب التي تعترف نفسها طرفا وبالتالي معنيّة بكلّ ما يعتني البلاد، إلى مثل هذا الاتّفاق، والحال أنّ الأغلبية لا يزال يقرأ خارطة العالم المتحرك، بعيون الداخل، بسبب ضيق الأفق وانحسار المدى بطء إن لم نقل غياب القدرة على ترتيب الأولويات.
ليس المطلوب من النخب هذه، الانقلاب إلى ملائكة، لا أحد صاحب عقل حصيب يطالب بذلك، فقط ترتيب الأولويات لا غير.
نصر الدين بن حديد
