ما خفي أعظم، وما نراه ليس سوى واجهة لسلطة خفية تُدير العالم بالمال والتكنولوجيا والإعلام.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تشكّل نظام عالمي يزعم التعددية في الحكم، لكنه في الحقيقة يخضع لعقلٍ مركزي واحد: عقل الرأسمالية العميقة.
هذا النظام لا يُحرك الجيوش فقط، بل يُشعل الحروب ويُغذيها، ثم يكتب نتائجها بما يخدم مصالحه.
ولفهم الصورة، لا بد أن ننظر إلى تفاصيل الخيوط المتشابكة بين الصين، تايوان، روسيا، أوكرانيا، وأمريكا — تلك الدول التي تُشكل أضلاع المثلث الذي قد يُشعل الحرب العالمية الثالثة.
تايوان والصين: البوابة إلى السيطرة على العالم
حين زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون الصين في فبراير 1972، أدرك أن طموح بكين يتجاوز حدودها الجغرافية، وأن السيطرة على تايوان تمثل مفتاح القوة التجارية العالمية.
فعادت واشنطن لتتبنّى تايوان وتتعهد بحمايتها، لكنها — في مفارقة غريبة — منحتها احتكار صناعة الرقائق الإلكترونية، القلب النابض للتكنولوجيا العالمية.
لماذا اختارت أمريكا أن تضع “الرقاقة” في جزيرة مهددة؟
ولماذا لم تُنشئ تلك المصانع في كاليفورنيا أو تكساس مثلًا؟
هذا القرار لم يكن عبثيًا. يبدو أنه كان جزءًا من هندسةٍ طويلة المدى لصراعٍ قادم، حيث تكون التكنولوجيا هي السلاح الأخطر.
صعود الصين: عندما بنى الغرب خصمه بيديه
في الثمانينيات والتسعينيات، نقلت أمريكا مصانعها إلى الصين بذريعة «رخص اليد العاملة».
لكن النتيجة كانت صعود عملاق اقتصادي لا يُستهان به.
ثم في عام 2001، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية، بدعمٍ أمريكيّ غير مفهوم.
فهل كان الغرب غافلًا عن الخطر، أم أنه كان يُمهّد الطريق لصدامٍ محسوب؟
الصين اليوم تبني طرقًا جديدة للتجارة تمر بمحاذاة الحدود الروسية، لتصل إلى أوروبا مباشرةً.
وفي عام 2013، وبعد تطوير كاسحة الجليد التي اشترتها من أوكرانيا عام 1989، وصلت إلى أوروبا عبر الممر القطبي، لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سباق القطب الشمالي الغني بالموارد والمعادن.
من يسيطر على القطب الشمالي، يسيطر على اقتصاد العالم.
أوكرانيا والغاز السري: النيون… الشرارة الخفية
قد يبدو الأمر تفصيلاً تقنيًا، لكن الحقيقة مفصلية:
أوكرانيا تنتج 90% من غاز النيون في العالم، المكوّن الأساسي لتصنيع الرقائق الإلكترونية.
هذا الغاز لا يُستخرج من الأرض، بل يُنتج في مصانع أنشأها الاتحاد السوفيتي قديمًا عبر معادلة بسيطة:
فولاذ + فحم = نيون.
ورغم معرفتها بأهمية هذا المورد، لم تنقل أمريكا تلك المصانع إلى أراضيها.
بل تركتها في أوكرانيا، تمامًا كما أبقت على صناعة الرقائق في تايوان…
وكأنها تُبقي العالم على فوهة بركان.
روسيا تعرف قيمة تلك المصانع، والصين تعرف أن تايوان هي هدفها الحتمي.
فهل من المنطقي أن الغرب، بكل قدرته الاستخباراتية، لم يُدرك أن هذين الملفين كفيلان بإشعال حربٍ كبرى؟
أم أن الهدف كان منذ البداية تهيئة المناخ لصدام عالمي ثالث؟
زر القتل الأمريكي: حين يتحكم المال بالتكنولوجيا
عند جمع هذه الخيوط، يظهر استنتاج مقلق:
أن الولايات المتحدة لا تملك فقط زر السلاح النووي، بل تملك زرّ تعطيل التكنولوجيا العالمية.
فبيدها الشركات التي تُصنع الرقائق، والمصانع التي تُنتج غاز النيون، والأنظمة التي تُدير الإنترنت والاتصالات.
زر واحد يمكن أن يُطفئ الضوء عن الكوكب بأسره.
النووي والشرق الأوسط: تحييد المنطقة لحماية “إسرائيل”
في سباق التسلح النووي، تتصدر روسيا وأمريكا والصين المشهد، لكن الغريب أن الشرق الأوسط يُمنع من الاقتراب من النووي تمامًا.
إيران تُحاصر، وباكستان حوربت سابقًا، بينما تبقى “إسرائيل” خارج كل القوانين، رغم امتلاكها — وفق معهد ستوكهولم — 80 رأسًا نوويًا.
لماذا يُسمح ل”إسرائيل” بما يُحرم على الآخرين؟
ولماذا يُزال النووي من محيطها بينما يُعزز في الغرب والشرق معًا؟
الجواب واحد: تأمين إسرائيل لتبقى القوة الوحيدة في غرب آسيا.
“إسرائيل” الكبرى والعقيدة التلمودية
عند تتبع تاريخ النظام المالي العالمي، نجد الخيط ذاته:
عام 1930، أُنشئ في سويسرا بنك التسويات الدولية، المؤسسة التي تدير تعويضات الحروب، وتتمتع بحصانة مطلقة.
لا تُحاسب، ولا تُسأل، ولا تخضع لأي قانون.
ومن يملكها؟ نفس النخبة المصرفية التي مولت الحروب وموّلت قيام “إسرائيل”.
فهل يمكن القول إن الكيان “الإسرائيلي” لم يكن مشروعًا قوميًا، بل مشروعًا رأسماليًا تلموديًا عالميًا، يخدم منظومة المال والهيمنة؟
ربما الجواب بات واضحًا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
الطوفان… واليقظة
في السابع من أكتوبر 2023، جاء الطوفان كصفحة جديدة في كتاب الحقيقة.
ليس رد فعل عشوائيًا، بل نتيجة منطقية لعقود من الاحتلال والتواطؤ.
لكن “إسرائيل” — مدعومة بإعلامها ومنظومتها العالمية — تحاول استغلال الحدث لتقليب الرأي العام العربي والإسلامي على المقاومة.
لا تسمحوا لأحد أن يُبعد فكرة المؤامرة عن أذهانكم،
ولا أن يُخرج الدين من معادلة الصراع.
فالرحمن يقضي، والشيطان يرسم.
والصراع بين الخير والشر باقٍ إلى قيام الساعة.
فهل سينجح الشيطان في إغواء العالم مرة أخرى؟
أم أن البشرية بدأت تدرك، ولو متأخرة، أن ما يجري ليس سوى إعادة ترتيب للعبة قديمة باسم النظام العالمي الجديد؟
ما يجري ليس عبثًا ولا صدفة.
من تايوان إلى أوكرانيا، من القطب الشمالي إلى “تل أبيب”، تُدار المعركة من عقلٍ واحدٍ، هدفه إعادة هندسة العالم وفق مصالح قوى خفية تؤمن بأن المال هو الإله، وأن التكنولوجيا سلاح الطاعة.
لكن بين كل تلك الحسابات، يبقى صوت الحق عاليًا، يذكّرنا أن الطغاة مهما تلاعبوا بالخرائط، لن يملكوا قدرة تغيير الحقيقة.
فاتنة علي-لبنان