العقل الإمبريقي لا يرى العلائق الضرورية الماهوية. فهو لا يرى سوى البيانات الحسية، كما أسماها راسل، أو المقاسة ويسقط عليها علائق ذاتية من خارجها. أما العقل العلمي الثوري أو المادي الجدلي، فيضع نصب عينيه أن يكتشف العلائق الضرورية الجدلية الماهوية الموضوعية بين الظاهرات أو مكونات الظاهر. لذلك، فالأول هو بالضرورة سكوني والآخر هو بالضرورة ثوري. مثلا، فإن العقل الإمبريقي لا يرى العلاقة الضرورية الماهوية بين ظاهرة الإمبريالية وظاهرة الرأسمالية. وقد يرى أنه من الممكن إلغاء الظاهرة الأولى من دون تخطي الثانية. أي إن إمبريقيته تقوده إلى الاعتقاد المضحك والمتهافت بأنه يمكن أن تكون هناك رأسمالية إنسانوية ومسالمة غير عدوانية. أما العقل العلمي الثوري، فهو يدرك جيدا أنه لا يمكن إلغاء الإمبريالية وعدوانيتها الإبادية إلا بتخطي الرأسمالية وكل النظم الطبقية صوب الاشتراكية. إن الأول يعجز عن معرفة الممكنات والاستحالات في ظل نظام اجتماعي معين. أما الثاني، فيدرك تماما أن هناك ممكنات ضمن النظام الرأسمالي وأن هناك استحالات لا يمكن أن تتحقق إلا بتخطي هذا النظام ثوريا. لذلك، فإن بناء العقل العلمي الثوري نقيضا للعقل الإمبريقي أمر ضروري في أي عملية تغيير ذات معنى.
د. هشام غصيب