من دون المنظور الطبقي، لا يمكن للمرء أن يفهم شيئا مما يدور حوله، أي يكون مثل الأطرش في الزفة. مثلا، يحاول سدنة المال أن يوهموا الغالبية الكادحة أن الإجراءات النيوليبرالية هي ضرورات تكنيكية يمليها علم الاقتصاد على الحكومات. أي، يحاولون أن يخمونا بالرطانة العلمية والتكنيكية المضللة وأن يدفعوا الشعب إلى القبول بالموت الزؤام من أجل معادلات غبية تأخذ تضليليا شكل الضرورة العلمية، مع ان دمعة طفل محروم تساوي كل “علمهم” المزعوم. لكن المنظور الطبقي يكشف عن الأساس الطبقي لكل هذه الإجراءات الملفعة بالرطانة التكنيكية الزائفة. فهي إجراءات تهدف إلى تعظيم ربحية المتخمين وديمومتها وحركيتها والتدفق الميسر للرأسمال، بحيث يتم شفط أكبر قدر من العمل والكدح من الكادحين، وبحيث تستمر عجلة التراكم الراسمالي في دورانها المتسارع. وهي تهدف أيضا إلى توسيع دائرة التسليع بحيث لا تترك مجالا للعيش خارج دائرة الاغتراب الرأسمالي، وإلى تقليص دائرة الملكية العامة، التي يمكن ان يستفيد منها الكادحون، إلى ادنى حد ممكن. فأي وعي يغيب عنه المنظور الطبقي هو أقرب إلى الغيبوبة أو اللاوعي منه إلى الوعي الحقيقي. إن الوعي إما ان يكون وعيا طبقيا وإما ألا يكون بتاتا.

د. هشام غصيب