تحولت فعالية عرض صورتي السيدين الشهيدين على صخرة الروشة في بيروت إلى قضية جدلية مفتعلة بسبب اعتراض بعض السياسيين على الأمر، لأنهم يعتبرون هذا الفضاء غير مخصص لأغراض “حزبية”، بينما أرادها حزب الله تكريمًا للسيدين اللذين استشهدا في مواجهة مع العدوّ “الإسرائيلي”.
الواضح أن الفريق المعترض الذي يصطفّ سياسيًا في مواجهة المقاومة ويتحالف مع قوى أخرى إقليمية ودولية تناهضها، يعمل في سياق إستراتيجية أوسع للتضييق على المقاومة ومحاولة عزلها طائفيًا وجغرافيًا.
ونذكر مثلًا الحملة التي أطلقت بداية العام الجاري ضدّ تخصيص قطعة أرض لدفن السيد الشهيد حسن نصر الله، وكانت حجة من يقف وراء الحملة أن هذه البقعة تقع على طريق قريب من مطار بيروت الدولي وأن اختيار المكان موجّه ضدّ السنة والمسيحيين! ولم يُكتب لهذه الحملة أن تحقق نتيجة لأنها انطلقت من افتراضات فئوية مكشوفة. ويبدو أن الفريق الاعتراضي يعيد الكرّة الآن، مدّعيًا وجود “استفزاز لأهالي بيروت”، في عملية تضليل تهدف إلى تحويل ذكرى الشهيدين الكبيرين إلى مناسبة إشكالية، في سياق مسعى لعزل المقاومة عن بقية المجتمع اللبناني وإضعاف حضورها وتمثيلها وإدانة دورها في مقاومة الاحتلال وإسناد الشعب الفلسطيني في مواجهة المذبحة الجارية.
والواضح أيضًا أن صخرة الروشة لا تُعدّ فضاءً خاصًا بفريق سياسي، وإنما هي مساحة مشتركة يرتادها الجميع في مناسبات مختلفة. وقد استُعملت في إطار إحياء مناسبات لدول عربية من بينها السعودية مثلًا، لكنّها لا تتسع كما يبدو لتحمل مناسبة ذكرى قائدين شهيدين قضيا في مواجهة الهجمة الإرهابية الصهيونية!
في هذا المجال، من المفيد الإشارة إلى الآتي: انطلقت فعالية إحياء ذكرى السيدين الشهيدين على أساس الوفاء لتضحياتهما التي تُوجت بالشهادة. ولم يكن في بال القيّمين عليها إحداث مشكلة مع أحد، وتم التنسيق مع الجهات الرسمية المعنية في هذا الإطار. والفعالية محدّدة بوقت قصير وتقوم على إضاءة الصخرة بصورتي الشهيدين، وليس في ذلك أدنى ضرر بأحد.
يتصرف المعترضون على هذا النشاط من منطلق سياسي وليس من أساس قانوني. وإذا كانت الحسابات الانتخابية والسياسية القائمة على الاستقطاب الإعلامي هي الحاكمة في بعض الحالات، فهذا لا يبرر بأي حال جرّ البلد إلى فتنة ومشكلة، ما يشير إلى أن هؤلاء لا يبالون بتبعات هذا الموقف على المناخ العام في البلد.
ساهم تدخل رئيس الحكومة نواف سلام في الموضوع المثار، في تكريس تسييسه. وكان يمكنه ترك الموضوع للمحافظ وبلدية بيروت وفقًا للأنظمة المرعية الإجراء، بدلًا من إنزال رئاسة الحكومة إلى هذا “المعترك”.
أما وقد تدخّل مُسبغًا على المسألة بُعدًا “حزبيًا”، ومشترطًا الحصول على ترخيص، في حين يفترض القانون إعطاء علم وخبر من جانب الجهة المنظِمة إلى محافظ بيروت، فقد كان يُفترض بالرئيس سلام أن يتصرف كرئيس لحكومة كلّ لبنان وأن يمسك العصا من الوسط ويقلل من ضوضاء الموتورين الذين يجرّون لبنان إلى شغب يومي ومعارك جانبية، والتركيز على احترام قواعد القانون.
يفصل حزب الله بين إقامة “فعالية” يريد تنظيمها لغاية تكريم من قضوا على درب مقاومة العدو، وبين الانخراط في “معركة” مجانية يريدها المعترضون في الداخل. لهذا، يسعى الحزب إلى الحفاظ على أهدافه ومبادئه وعدم تحويل المناسبة إلى مواجهة غير مبررة كان سيرفضها السيدان الشهيدان لو كانا على قيد الحياة.
لم يطالب حزب الله بإعلان الحداد الوطني بمناسبة استشهاد قائده في معركة مع العدو، ولم يطالب بعطلة رسمية، كما هو الحال مع شخصيات أخرى. وإنما جُلّ ما يطلبه احترام “الشركاء” في الوطن لمشاعر مؤيدي المقاومة الذين يستذكرون المناسبة بالألم والتحدي للعدو، في وقت يواصل هذا العدوّ عدوانه اليومي على لبنان.
مجرد الادّعاء بأن فعالية بصرية على صخرة في البحر ولمدة نصف ساعة هو “استفزاز لأهالي بيروت”، يُعدّ تلاعبًا خطيرًا بوعي الجمهور اللبناني. فالعاصمة تتشكّل من أطياف عدة سياسية وطائفية، وليس من طيف واحد. وبالتالي، فإن القول بأن مجموع أهالي بيروت يتحسسون من الفعالية المعروضة هو كلام يشطب من الحساب جمهورًا بيروتيًا كبيرًا يعبّر عن نفسه في الانتخابات البلدية والنيابية إلى جانب المقاومة.
سيكتشف الجميع أن إقامة نشاط بالسنوية الأولى على صخرة الروشة لا يشكّل إيذاء لمشاعر أحد، وأن كلّ ما أثير بهذا الشأن بصورة مفتعلة لا يساوي الحبر والهواء الذي صُرف على الحملة الجديدة ضدّ ذكرى السيد الشهيد. لكن يتضح مرة بعد أخرى أن هذا الرجل يتسبب بإزعاج ورعب ليس للعدو الصهيوني فقط، وإنما أيضًا لجهات داخلية تنشد المصالحة مع العدوّ وتودّ دفن أي ذكر للقائد الذي وقف في وجه غطرسة الاحتلال ومشاريعه التوسعية لأكثر من ثلاثة عقود.