خط الكاتب الفلسطيني اسماعيل الريماوي مقالاً حول الحالة التي تعيشها الضفة الغربية في ظل استمرار جرائم الاحتلال والتواطؤ من قبل السلطة الفلسطينية مع المحتل ضد المقاومة الفلسطينية، وفيما يلي نص المقال كاملاً.
يشهد المشهد في الضفة الغربية تصعيداً غير مسبوق في وتيرة العدوان الإسرائيلي وتغوّل المستوطنين، وهو تصعيد لا يمكن النظر إليه بمعزل عن سياق سياسي طويل الأمد، عمل خلاله الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، بشكل مباشر أو غير مباشر، على تفكيك البنية التحتية للمقاومة وتجريد المجتمع الفلسطيني من أدوات الدفاع عن نفسه ، النتيجة الواضحة لهذا المسار أن الفلسطيني في الضفة بات مكشوف الظهر أمام آلة القمع العسكرية والمشروع الاستيطاني الزاحف بلا توقف.
إن سؤال “لماذا لا يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم؟” يتردد بكثرة في الخطاب الإعلامي والسياسي، لكنه في الحقيقة سؤال مضلل، يتجاهل حقيقة أن المقاومة في الضفة لم تتوقف يوماً، فعمليات الاشتباك في جنين ونابلس وطولكرم، وتضحيات مئات الشهداء والجرحى، تشهد على أن الفلسطينيين لم يستسلموا، غير أن ما جرى هو ضرب ممنهج ومركّب لقدرة المقاومة على الاستمرار والتوسع، فمن جهة اعتمد الاحتلال سياسة الاغتيالات والاعتقالات الواسعة وهدم المنازل، ومن جهة أخرى مارست السلطة الفلسطينية دوراً مكملاً عبر التنسيق الأمني والملاحقة السياسية والأمنية للمقاومين، ما جعل أي محاولة لتشكيل فعل مقاوم تواجه كماشة مزدوجة.
هذا الواقع يعكس خللاً بنيوياً في طبيعة السلطة الفلسطينية نفسها، فهي منذ تأسيسها وارتباطها باتفاق أوسلو، وُضعت لتكون جهازاً إدارياً وأمنياً يضبط الفلسطينيين داخل حدود السيطرة الإسرائيلية، وليس كياناً سيادياً حقيقياً يقود مشروع التحرر الوطني، ولذلك كان من الطبيعي أن تتحول أجهزتها الأمنية إلى أداة تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر، استقرار المنظومة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية ، هذا ما يفسر كيف جرى تجفيف البيئة الشعبية للمقاومة، وكيف فُرض على المجتمع الفلسطيني حالة من الإحباط والانقسام، بينما كانت المستوطنات تتوسع والجدار يلتهم الأرض.
اليوم، ومع تغوّل المستوطنين وتصاعد الاعتداءات على القرى الفلسطينية، تتضح خطورة هذا النهج، فالاحتلال لا يسعى فقط إلى ردع المقاومة المسلحة، بل إلى كسر الإرادة الشعبية وخلق واقع استيطاني يجعل من أي مشروع دولة فلسطينية مجرد وهم سياسي، أما السلطة الفلسطينية، التي ترفع شعار “الحفاظ على السلم الأهلي”، فإنها تجد نفسها في موقع المتفرج أو المقيّد او المتعاون و الشريك في خدمة المحتل ، لأنها ببساطة أسيرة معادلة أوسلو التي جعلت من وظيفتها الأساسية ضبط الداخل الفلسطيني الذي يهدد امن الاحتلال ، لا حماية مشروعه الوطني.
إن استمرار هذا الوضع لا يعني فقط تراجع قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال، بل يفتح الباب أمام صراع داخلي بين الشارع الفلسطيني وسلطته السياسية، إذ يدرك الناس أن مشروع التحرر الوطني لا يمكن أن يُدار من خلال سلطة مرتبطة عضوياً بالاحتلال عبر التنسيق الأمني، من هنا فإن المأزق في الضفة ليس فقط في تغوّل المستوطنين وتصاعد القمع الإسرائيلي، بل أيضاً في غياب قيادة سياسية بديلة قادرة على إعادة الاعتبار لخيار المقاومة وإعادة بناء وحدة فلسطينية تستند إلى مشروع وطني جامع.
في المحصلة، الضفة الغربية تعيش اليوم لحظة سياسية فارقة، حيث تتلاقى وحشية الاحتلال مع عجز السلطة الفلسطينية، وحيث يتكشف زيف الخطاب الدولي عن “عملية السلام”، لكن ورغم هذا المشهد القاتم، فإن المقاومة لم تُستأصل الى الابد ، وما زالت تتجدد في بؤر مختلفة لتؤكد أن الشعب الفلسطيني، مهما طُعن في ظهره، لا يزال قادراً على إنتاج الفعل المقاوم وصياغة معادلة سياسية جديدة، شرط أن يُكسر القيد الذي كبّل الضفة منذ أوسلو وحتى اليوم.