كتب الأستاذ ناصر قنديل،لماذا لم يقل براك إن خطوة الحكومة غير كافية؟
الثلاثاء,2025/08/19
…
– توماس براك لا يمثّل نفسه ولا يجتهد، ورفقة مورغان أورتاغوس له تقطع عليها طريق النميمة مع فريق المعجبين بها من اللبنانيين، لتكرار ما فعلته في المرة السابقة عندما اتفق مع رئيس مجلس النواب نبيه بري على أن المطلوب خطوة من الجانب الإسرائيلي قبل مطالبة لبنان بخطوة ثانية، خصوصاً أن أورتاغوس تمثل المخابرات العسكرية الأميركية، كما يقول بعض العارفين بالداخل الأميركي، ولأن براك عاد إلى ما سبق وقاله بعد لقاء قبل شهر مع الرئيس بري، قبل أن يأتي بورقته الأخيرة التي تضع نزع سلاح المقاومة على الطاولة كأولويّة، دون مطالبة “إسرائيل” بخطوة أولى ولو بحجم وقف الاعتداءات.
– يقول البعض إن موقف براك المعلن من بيروت ليس تراجعاً عن أولوية نزع سلاح المقاومة، وإن الكلام عن خطوة مطلوبة من “إسرائيل” مجرد مجاملة للموقف اللبناني، خصوصاً أن “إسرائيل” أعلنت استباقاً لأي تحليل بأنّها لن تفعل شيئاً إلا متى رأت خطوات عمليّة للحكومة في نزع سلاح المقاومة، وفي هذا الكلام مجافاة للحقيقة، لأن كلام براك ومعه كلام رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كرّر ما سبق وطلبه رئيس مجلس النواب، عن انتظار خطوة من الجانب الإسرائيلي، هي الخطوة المنصوص عليها في الورقة لجهة أن تنفذ “إسرائيل” وقف الاعتداءات مقابل إقرار جدول زمني لنزع السلاح. وهذه التصريحات مجتمعة خلقت رأياً عاماً داخلياً وخارجياً ينتظر خطوة إسرائيلية قبل السؤال عن خطوة من المقاومة، وبذلك يمكن القول ببساطة إن براك أجهض الحملة التي قادها خلال أسبوعين فريقه اللبناني تحت عنوان أن المقاومة برفضها قرار الحكومة بنزع السلاح تضع لبنان في عين الخطر، والآن براك نفسه وكل المسؤولين الذين شاركوا في القرار يقولون إن عدم قيام “إسرائيل” بتنفيذ وقف الاعتداءات يُعفي حزب الله من القيام بشيء جديد، وخصوصاً التجاوب مع دعوات نزع السلاح.
– كان يمكن لبراك المجاملة ومواصلة الضغط أن يقول إن قرار الحكومة كان قراراً شجاعاً يستحقّ التقدير، لكنه لا يكفي لإطلاق زخم تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وفق النظرة الأميركية، طالما أن حزب الله رفض القرار، وواشنطن لن تطالب “إسرائيل” بخطوة عملية إلا مقابل خطوة عملية، وهو ما كان ليتحقق لو وافق حزب الله على قرار نزع السلاح، ولذلك ننتظر خطة الجيش وبدء تنفيذها لنستطيع مطالبة “إسرائيل” بخطوة مقابلة، وكان هذا سوف يشكل منصة لمواصلة الضغط بالاتجاه ذاته الذي أطلقه قرار الحكومة الذي تبنى ورقة براك وجدوله الزمني، لكن المشكلة أن ذلك يجب أن يرافقه تصور واضح لكيفية تنفيذ خطوات عملية نحو نزع السلاح في ظل إجماع وزراء ونواب وشخصيات طائفة تمثل ثلث اللبنانيين على رفض نزع السلاح، وفي ظل موقف واضح لقيادة حزب الله والاستعداد لتحمّل أي مخاطر تترتب على رفض نزع السلاح بما في ذلك خطر الحرب الأهليّة، وفي ظل موقف إيراني يحذّر من خطورة المضي بالقرار والتلويح بحرب سورية أو إسرائيليّة على حزب الله سوف تكون لكل من فرضيّاتها تداعيات تشعل المنطقة، وهذا ما يفسّر الإشارات الناعمة التي تضمّنتها تصريحات براك تجاه حزب الله وإيران حول الشراكة.
– عملياً كان الرهان على إقرار الحكومة لخطة براك لممارسة الضغط السياسي والمعنوي على حزب الله وابتزاز التزامه بفعل المستحيل لتجنب الحرب الأهلية، أملاً بالحصول على استعداد للتفاوض على السلاح، لكن النتيجة جاءت واضحة وتقول إن الخطة فشلت، بل إنها استدرجت تداعيات بحجم تهديد إيراني، وربما عراقي إذا تعرّض حزب الله لحرب من الشمال أو الجنوب، وصار الحساب المطلوب في ظل عدم الجاهزيّة للتعامل مع هذه التداعيات إلى التراجع خطوة إلى الوراء والعودة إلى المربع الأول، مربع الورقة الرئاسية التي أثنى عليها براك وامتدحها، والتزم بالسعي لدى “إسرائيل” للمبادرة إلى خطوة أولى تتيح المضي قدماً في سياسة خطوة مقابل خطوة.
– في الحصيلة واشنطن تستخدم مَن يصغي إليها لابتزاز خصومها وعندما يفشل الابتزاز لا يهمها أن يخرج مَن صدّقها بسواد الوجه!
أ.ناصر قنديل