بذون الغوص في تاريخ وتجارب هذه المقاومات وإذا ركزنا فقط على تطور المواجهات، ما بعد طوفان الأقصى، ما بين مكونات محور المقاومة والعدو الصهيوني مدعوما بكل دول الغرب الامبريالي، يمكن استخلاص ظاهرة تتكرر في جل عمليات هذه المواجهات من لدن محور المقاومة ويمكن إجمالها كما يلي: 

في حين يعتمد العدو الصهيوني على حرب إبادة جماعية تستهدف المدنيين وكل مظاهر الحياة من أجل التهجير القسري و فتح تصدع ما بين المقاومة وبيئتها، حرب وحشية تخطت كل الحدود ضد المدنيين بأكبر وأخطر ترسانة عسكرية توفرها الولايات المتحدة ودول الناتو، نشهد ونتابع بالصوت والصورة عمليات اسطورية للمقاومة في الميدان،  من مسافة صفر، ضد الاليات والحشود العسكرية كان ابطالها مقاتلون شبان ينتعلون أحيانا شباشب ان لم يكونوا حفاة مسلحين بالكلاشنكوف ومدافع الياسين 105 وقنابل قد تبدو بدائية و مصنعة محليا  ويتوجهون بكل إقدام ودون تردد لوضع هذه القنابل والمتفجرات فوق او داخل آليات الميركافا ليفجروها بمن فيها  ويواصلون حصارها، خلال ساعات طويلة، لمنازلة وإعطاب فرق الإنقاذ القادمة لإجلاء القتلى والجرحى. 

من اين يأتي هؤلاء المقاومون الاشاوس بكل هذه البصيرة والقراءة الصحيحة للمشهد لرسم الخطط من اين يستمدون كل هذه الشجاعة لمنع اليات العدو من التقدم ولو لأمتار قليلة على الحافة الجنوبية اللبنانية ومن اين يستمد ابطال اليمن السعيد كل هذا الصبر حيال تدمير مدنهم وبنياتهم الاقتصادية المتواضعة أصلا وينجحون في هزم الاسطول البحري الأمريكي بحاملات طائراته المختلفة ويجبرونه بإخلاء المنطقة ليبسطوا سيطرتهم وسيادتهم على البحرين الأحمر والعربي في عملية خنق للاقتصاد الإسرائيلي لم يشهد له مثيلا من قبل. 

وكيف يمكن استيعاب تفوق إيران في مواجهة 12 يوما وإجبار أمريكا والكيان على استجداء وقف إطلاق النار؟ 

ونحن نتحدث عن الحالة الإيرانية فقد نتساءل ما سر كل هذا الرعب الذي تشعر به أمريكا والغرب بمجمله إزاء إيران وهو ما يفسر الحملات المسعورة والحصار الشامل ضد إيران من طرف هذا التكتل الغربي وفي جوقته العديد من الأنظمة التابعة. هذا الرعب لا ينبع من خطر قنبلة نووية قد تمتلكها إيران ولا من قدرتها التكنولوجية المتطورة دوما وانما من حيث ما تمثله من نهج وخطة طريق. فإيران التي اجتازت وتغلبت على عشرات السنين من الحصار والعزلة القاتلة ونظام العقوبات الصارم بالإضافة لتهديدات عسكرية متلاحقة، استطاعت ان تؤسس لعقيدة وهوية لا تتزعزع ترفض أي شكل من الانبطاح وهذا يشكل في حد ذاته نهجا ثوريا اضحى سردية تنتشر لتصبح ذات مفعولية اقوى من المواجهات العسكرية المباشرة وهو ما تسعى أمريكا والغرب بشكل عام لتفاديه والتغطية عليه لان مضمون هذه السردية يدعو الى المضي في سيناريو معاكس تماما لما يدعو ويروج له الغرب. فأمريكا لا تخشى إيران لما تفعله، ولكن لما تمثله. قد تستطيع أمريكا قلب نطام او تحطيم جيش لكنها لا تستطيع القضاء على فكرة لا سيما إن تبلورت بالمعاناة وتغدت بالتضحيات وأزهرت في الروح والعقيدة. 

وهكذا يتبين ان هذا الارتياب الأمريكي من إيران لا يتمحور حول الصواريخ، ولكن بسبب طرحها بديل ومثال على أن: إن استطاع بلد المواجهة وعدم الانصياع للقالب المقترح فقد تستطيع بلدان أخرى نهج نفس الطريق والنجاح في بلورة مسار خاص يضمن لها المواجهة المقتدرة والتعافي من الحصار، بل الازدهار في مسيرتها التنموية. وهذا يخلق سابقة تخيف كل الغرب مما يجعلها العدو الأول للنظام الدولي العميق. وعليه يتضح ان أكبر سلاح لإيران ليس البترول او الصواريخ وانما هي الروح التي لا يمكن تطويعها وبهذا أصبحت إيران مركز ظاهرة عميقة تشكل المحور العقائدي للنهج المقاوم. 

اذن فالروح والنسيج الفكري المقاوم يشكلان مكمن الخوف الذي ينتاب أمريكا وكل الغرب الذيلي الذي سلك جميع الطرق للإطاحة بهذا النظام حتى غامر مؤخرا بحرب صهيو-امريكية بعد اتخاد قرار متهور، بل مجنون انساق فيه ترامب وراء الحسابات السياسية الانتهازية للنتن ياهو. هذه الحرب التي انتصرت فيها إيران بعد ان سارع ترامب في طلب لوقف إطلاق النار.   

نفس هذه القراءة يمكن ان تطبق في حالة المقاومة الفلسطينية التي صمدت واستبسلت مدة عشرين شهرا دون ان يتمكن الصهاينة من تحقيق أهدافهم المعلنة وقد فسروا ذلك باستحالة هزيمة فكرة. كما ان هذه الظاهرة تبرز بشكل واضح في حالتي المقاومة اللبنانية واليمنية، ابان اسنادهما لغزة الابية، اللتين تسلكان نفس النهج وقد  حققتا انتصارات ستبقى راسخة رغم التضحيات الجسام.

الكاتب: صادق روان

By adam