بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم

{وَأَتَوْا الْخَنْدَقَ وَرُدُّوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}.

هل حسبتم أنّ اليمنَ الجريحَ سينكفئ؟
هل ظننتم أن الحصارَ يصنعُ العجزَ في شعبٍ أودع اللهُ في تاريخهِ عزمًا لا يلينُ، وشرارةً من فتيلِ الأنبياءِ؟
أم غفلتم عن يمنِ الإيمانِ والحكمةِ، الذي إن رفعَ رايةَ الحقِّ، خضعت لها الجبالُ وارتجفت لها أوهامُ الطغيانِ؟

لقد قالها الصاروخُ اليمنيُّ بمدادِ النارِ والحديدِ في عمقِ فلسطينَ المحتلّةِ: إنّا هنا!
وصلَ إلى مطارِ اللدِّ المسمّى زيفًا “بن غوريون”. تخطّى أربعَ منظوماتٍ دفاعيّةٍ صهيونيةٍ متطوّرةٍ، لم تنفعها الأقمارُ الاصطناعيّةُ، ولا قِببُ الحديدِ، ولا شعوذاتُ “السهمِ” و”العصا السحريةِ” و”مقلاع داوود”.
فما قيمةُ التقانةِ إذا اصطدمت بإرادةِ من لا يُهزم؟
وما نفعُ الذكاءِ الصناعيِّ إذا واجهَ عزيمةَ أنصارِ اللهِ والجيشِ اليمنيِّ؟

فوقَ فوقَ فوقَ المنظوماتِ… كانت يدُ اليمنِ، يدٌ طاولت السماءَ، وصفعت الطغاةَ في عقرِ دارهم.
ولم يكن الضربُ عبثًا… بل كان خلقًا لمعجزةٍ عسكريّةٍ ورسالةٍ قرآنيّةٍ، وشيفرةَ جهادٍ لا يقرأها إلا من تربّى في مدرسةِ الحسينِ وعليٍّ والرسولِ.

في قلبِ المطارِ.. حُفِر خندقٌ!
نعم، خندقٌ بمقاييسٍ مذهلةٍ: عمقُه خمسٌ وعشرونَ مترًا، وعرضُه ثلاثون، كأنّه قطعةٌ من سُطورِ “غزوةِ الأحزابِ”، وقد تَجسّدَ مجدُ الخندقِ القديمِ في خندقِ اليمنِ الجديد.

خندقٌ.. هزَّ المطاراتِ، وأغلقَ الأجواءَ، وأفزعَ القلوبَ، وأعادَ ذاكرةَ الأحزابِ إلى زمنٍ آخر.
ألم يُرد الطغاةُ أن يحيوا دولةً؟ فليذوقوا طعمَ الأحزابِ وهزيمتهم!
ألم يُريدوا تطبيعًا؟ فليُصفّوا عارَهم في حفرةِ اللدِّ!

فما هي رسائلُ هذا الخندقِ الناريِّ؟ وما دلالاتُه؟

أولًا:
الرُّعبُ في القلوبِ، قبلَ أن تقعَ الضرباتُ في المطاراتِ.
إنه تطبيقٌ ناريٌّ للآيةِ الكريمةِ: {سَنُلْقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}، وقد أُلقي.
هربَ ثلاثةُ ملايينَ مغتصبٍ إلى الملاجئِ، بينما كان اليمنيُّ يتبسّمُ في سماءِ صنعاءَ مُردّدًا: “اللهمَّ سددْ رميَنا”.
خُلقَ الرعبُ في قلوبهم قبل أن تُخلَق الحفرةُ في أرضهم.

ثانيًا:
إيقافُ حركةِ الملاحةِ الجويةِ في المطارِ الأكبرِ لدى العدوِّ.
لم تكن ضربةً ارتجاليّةً، بل تكرارٌ لنفسِ المنهجِ اليمنيّ الذي أغلقَ ميناءَ إيلاتَ، وهدّدَ أمريكا في خليجِ عدن.
اليوم يُغلق مطارُ بن غوريون، كما أُغلقت سُفنُكم، وكما فُرضت عزلةٌ على إيلات، يُفرض الحصارُ على “تل أبيب”.

ثالثًا:
تقويضُ وهمِ الدولةِ.. وإثباتُ هشاشةِ الكيانِ الصهيونيِّ.
ألم يقولوا إنهم “أقوى جيشٍ في الشرقِ الأوسطِ”؟ فكيف لعصا صنعاء أن تحفرَ خندقًا في مطارهم دون أن يشعروا؟
أليست هذه نهايةُ “الردعِ الإسرائيليِّ”؟
ألم يُقال يومًا: “الضربةُ القادمةُ ستكون في المطاراتِ والمفاعلاتِ”؟ فها هي الأولى وقعت، والثانيةُ قادمةٌ، والمفاعلاتُ في مرمى البصرِ.

ثم، أليس في ذلك خندقٌ للعقلِ أيضًا؟
خندقٌ ينصحُ الطغاةَ بلسانِ الصاروخِ اليمنيِّ: “أوقفوا حربًا لا كفاءةَ لكم لخوضِها… أسلموا تسلموا”.
خندقٌ يصرخُ في وجهِ المطبعين: “قد خُدعتُم… فها هي تل أبيب تُقصفُ، فماذا نلتم من تطبيعِكم؟ إلا الذلّ!”

خندقُ اللدِّ هو خندقُ الفصلِ بين مرحلتين:
مرحلةٍ كان فيها العدوُّ يضربُ، ومرحلةٍ صارَ فيها العدوُّ يُضربُ.
إنّه انقلابُ المعادلاتِ، وتحوّلُ غزةَ المحاصرةِ إلى “تل أبيبَ المحاصرةِ”، واليمنُ هو القادحُ لهذا التحوّلِ العظيمِ.

فليعلم العدوُّ وأعوانُه:
أن خندقَ اللدِّ لم يكن حفرةً عابرةً، بل إعلانُ مرحلةٍ لا رجوعَ عنها.
وأن الضربةَ القادمةَ لن تكون في المطارِ فقط، بل حيثُ تُصنَعُ قراراتُ الاحتلالِ وتُدارُ مفاعلاتُه.

وختامًا، نقولها واضحةً جليّةً:

بفضلِ الله، ثمّ بفضلِ قيادتِنا اليمنيةِ،
غدونا مع فلسطينَ صنوانِ لا يفترقانِ،
فكما تألمَت غزةُ تألمتم،
وكما نزفَت شهداؤها، نزفت مطاراتُكم،
والقصاصُ في الصواريخِ… والجزاءُ في خنادقِ الردعِ.

ارفعوا حصاركم عن غزةَ… نوقفُ صواريخَنا.
وإن لم تنتهوا… فلنأتينكم بطيرٍ من اليمنِ، وصواريخَ لا طاقةَ لكم بها.
وستعلمون من هو الشعبُ الذي لا يُهزمُ… إذا جاء وعدُ الآخرةِ.

عدنان عبد الله الجنيد.