بسم الله الرحمن الرحيم

أَلَمْ تَرَ إِلَى الْحُشُودِ الَّتِي امْتَلَأَتْ بِهَا سَاحَاتُ بَيْرُوتَ، عَاصِمَةِ لُبْنَانَ، إِذْ أَقْبَلَتْ مُشَارِكَةً فِي تَشْيِيعِ سَيِّدِ الْأُمَّةِ مِنْ كُلِّ الْبِلَادَانِ؟ وَلَوْلَا تَضْيِيقُ الْخِنَاقِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ الْقَادِمِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، الْمُحِبِّينَ لِسَيِّدِ الْأُمَّةِ سِبْطِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَابْنِ بِنْتِ الْمُصْطَفَى سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ، وَحَفِيدِ الْمُرْتَضَى الْكَرَّارِ، وَابْنِ الْحُسَيْنِ شَهِيدِ كَرْبَلَاءَ، شَهِيدِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، السَّيِّدِ الْقَائِدِ الْمُجَاهِدِ حَسَنِ نَصْرِ اللهِ، عَلَيْهِ مِنَ اللهِ السَّلَامُ وَالرِّضْوَانُ. وَتِلْكَ الْمَشَاهِدُ لِلْجُمُوعِ الْغَفِيرَةِ وَالْحُشُودِ الْمِلْيُونِيَّةِ الْكَبِيرَةِ تُغْنِيكَ عَنِ الدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ. 

وَهُنَاكَ حَيْثُ اجْتَمَعَتِ الْحُشُودُ، وَالتَقَى عَلَى الْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ الْمُسْلِمُ وَالْمَسِيحِيُّ، وَالْقَوْمِيُّ وَالزَّيدِيُّ، وَالسُّنِّيُّ وَالصُّوفِيُّ وَالشِّيعِيُّ، عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ. جَمَعَتْهُمْ مَحَبَّةُ وَلِيِّ اللهِ وَقَائِدِ حِزْبِ اللهِ، فَتَلَاقَوْا تَحْتَ نَعْشِهِ، فَكَانُوا صَفًّا وَاحِدًا كَالْبَنَانِ، أَوْ كَالْبُنْيَانِ، حَتَّى صَارَ الزِّحَامُ فِي تَشْيِيعِ الْقَائِدِ الشَّهِيدِ هُوَ الْأَمْرُ الطَّبِيعِيُّ الَّذِي كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ، وَطَابَ فِي ذَلِكَ الزِّحَامِ لِلْأَحْرَارِ الشُّرَفَاءِ الْمَقَامُ. 

وَلَوْلَا أَنَّ الطَّاغُوتَ وَالشَّيْطَانَ الْأَمْرِيكِيَّ الْأَكْبَرَ، وَمَعَهُ الصِّهْيَوْهَابِيَّةُ، مَارَسَ الضَّغُوطَ الْكَبِيرَةَ لِلْحَوْلِ دُونَ وُصُولِ الْكَثِيرِ مِنَ الْوُفُودِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْعَالَمِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَتِ الْمُشَارَكَةَ فِي مَرَاسِمِ الزَّفَافِ الْأَخِيرِ لِسَيِّدِ الْمُقَاوَمَةِ وَقَائِدِ الْأُمَّةِ السَّيِّدِ حَسَنِ نَصْرِ اللهِ، وَأَخِيهِ السَّيِّدِ هَاشِمِ صَفِي الدِّينِ، إِلَى عَلِيَاءِ جِنَانِ اللهِ فِي عَالَمِ الْخُلْدِ وَالْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، لَكَانَ الْمَشْهَدُ أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ. 

إِنَّهَا آيَاتُ اللهِ الْمُحْكَمَاتُ الَّتِي تَتَجَلَّى الْيَوْمَ فِي الْوَاقِعِ الْمَشْهُودِ، وَكَأَنَّهَا تُتَرْجِمُ قَوْلَ اللهِ الْأَعْلَى: ﴿وَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾. فَانْظُرْ كَيْفَ تَهَاوَتِ الْأَفْئِدَةُ وَالْقُلُوبُ إِكْرَامًا وَإِجْلَالًا وَوَدَاعًا لِسَيِّدِ الْمُجَاهِدِينَ الشَّامِخِ الْأَرْكَانِ وَالْبُنْيَانِ، طَيِّبِ الذِّكْرِ وَعَالِي الْمَقَامِ. 

فَهَكَذَا هُوَ عَطَاءُ اللهِ لِأَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ وَالْإِحْسَانِ، وَهَكَذَا هُوَ مُلْكُ اللهِ الَّذِي يَنْزِعُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ وَيُؤْتِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ أَعْلَامَ الْهُدَى وَقُرَنَاءَ الْقُرْآنِ. فَلَقَدْ آتَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى آلَ إِبْرَاهِيمَ النُّبُوَّةَ، وَآتَاهُمْ مُلْكًا كَبِيرًا، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْأَعْلَى الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ الَّذِي يُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، بِيَدِهِ الْمُلْكُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. 

فَيَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ بِمَعْنَى الْمُلْكِ الْمُرْتَبِطِ بِاللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْجَاحِدُ الْمُنْكِرُ لِآيَاتِ اللهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَكَرَامَاتِ اللهِ الْمَهْدَاةِ لِأَوْلِيَائِهِ! فَإِنَّ سَيِّدَ الْأُمَّةِ الَّذِي اسْتَنْهَضَهَا وَأَيْقَظَهَا فِي زَمَانِ الذِّلَّةِ وَالْهَوَانِ مِنْ سُبَاتِهَا، وَانْتَشَلَهَا مِنْ مُسْتَنْقَعِ الْخَوْفِ وَالْخُضُوعِ وَالِارْتِهَانِ، وَارْتَقَى بِهَا إِلَى مَقَامِ الْجِهَادِ وَالْمُوَاجَهَةِ لِلْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَأَعْدَاءِ اللهِ أَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، فَأَقَامَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ اللهِ وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، نَصْرًا لِلْمُسْتَضْعَفِينَ وَتَحْرِيرًا لِمُقَدَّسَاتِ الْأُمَّةِ وَلِفِلَسْطِينَ الْمَسْلُوبَةِ مِنْ كِيَانٍ لَقِيطٍ وَعِصَابَاتٍ مِنَ الْقِطْعَانِ، جَاءَ بِهَا الْغَرْبُ الْكَافِرُ لِيَنْتَهِكَ سِيَادَةَ الْأُمَّةِ وَيَحْتَلَّ أَرْضَهَا وَمُقَدَّسَاتِهَا بِأُولَئِكَ اللُّصُوصِ الْأَقْزَامِ.

هَاهُوَ الْيَوْمَ يُحْيِيهَا بِشَهَادَتِهِ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ يُؤَسِّسُ لِمَرْحَلَةِ مَا بَعْدَ الطُّوفَانِ. 

فَلَمَّا مَكَرُوا مَكْرَهُمْ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى اغْتِيَالِ سَيِّدِ الْأُمَّةِ وَفَارِسِ الْفُرْسَانِ، كَانَ الْخَوْفُ وَالرُّعْبُ يَعْشَعِشُ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَكَادُ يَعْصِفُ بِهِمْ. فَجَمَعُوا لِلنَّيْلِ مِنْهُ وَقَتْلِهِ عَشَرَاتِ الطَّائِرَاتِ الْحَدِيثَةِ الْمُحَمَّلَةِ بِآلَافِ الْأَطْنَانِ مِنَ الْقَنَابِلِ الذَّكِيَّةِ لِقَتْلِ وَاغْتِيَالِ أَشْجَعِ الشُّجْعَانِ. وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَغْرَبٍ عَلَيْهِمْ، فَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ هُمْ أَنْفُسُهُمْ فِي زَمَنِ كَرْبَلَاءَ الطَّفِّ، أَوْ فِي زَمَنِ كَرْبَلَاءَ الضَّاحِيَةِ، فِي زَمَنِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ أَوْ فِي زَمَنِ الْحَسَنِ نَصْرِ اللهِ. 

فَأُولَئِكَ الشَّيَاطِينُ كُلُّهُمْ إِخْوَانٌ، وَنَفْسِيَّاتُهُمْ تِلْكَ النَّفْسِيَّاتُ الَّتِي أَصَابَهَا الذُّعْرُ وَالرُّعْبُ مِنَ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ فِي كَرْبَلَاءَ الطَّفِّ، فَأَقْبَلُوا بِالْعَشَرَاتِ مُجْتَمِعِينَ لِقَتْلِ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ، إِذْ لَمْ يَجْرُؤْ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ نَحْوَ الْإِمَامِ الْحُسَيْنِ لِلنَّيْلِ مِنْهُ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ. فَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ! حَيْثُ الْمَشْهَدُ هُوَ الْمَشْهَدُ، مَعَ اخْتِلَافِ الْقَتَلَةِ وَنَوْعِ السِّلَاحِ. 

لَقَدْ قَتَلُوا شَخْصًا وَاحِدًا، فَصَنَعُوا مِنْهُ أُمَّةً بِأَكْمَلِهَا، وَأَرَادُوا أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ، وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَأَرَادُوا بِقَتْلِهِ إِطْفَاءَ ثَوْرَةٍ، فَأَيْقَظُوا أَلْفَ أَلْفِ ثَوْرَةٍ. قَتَلُوا سَيِّدَ الْأُمَّةِ وَقَائِدَهَا، فَأَحْيَوْهُ بِأَنْفُسِ الْعَاشِقِينَ، مُلْهِمًا وَمُوَجِّهًا وَقَائِدًا وَمُرْشِدًا، يُلْهِمُ الْأُمَّةَ وَالْأَجْيَالَ إِلَى النَّصْرِ وَالْعِزَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَالْفَتْحِ الْمَوْعُودِ، وَذَلِكَ وَعْدُ اللهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ. 

وَفِي يَوْمِ الْوَدَاعِ الْأَخِيرِ، هَتَفَتِ الْأُمَّةُ بِأَكْمَلِهَا بِشِعَارٍ وَاحِدٍ: “لَبَّيْكَ يَا نَصْرَ اللهِ”، فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ. وَهَكَذَا تَجَلَّى فِي وَاقِعِ الْأُمَّةِ انْتِصَارُ الدَّمِ عَلَى السَّيْفِ، حَيْثُ يَصْنَعُ الدَّمُ ثَوْرَةً، وَتَصْنَعُ الثَّوْرَةُ انْتِصَارًا يُوقِظُ الْأُمَّةَ، وَيُزَلْزِلُ الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِ الطُّغَاةِ، وَيَعْصِفُ بِطَوَاغِيتِ الْأَرْضِ وَالْمُحْتَلِّينَ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.

عَبْدُ الْإِلَهِ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجُنَيْدِ