لأنها بلاد المحيا والممات ولأن على أرضها ما يستحق الحياة
وَالصَمتُ عَن جاهِلٍ أَو أَحمَقٍ شَرَفٌ*
وَفيهِ أَيضًا لِصَونِ العِرضِ إِصلاحُ أَمَا تَرى الأُسدَ تُخشى وَهِيَ صامِتَةٌ*
وَالكَلبُ يُخشى لَعَمْري وَهوَ نَبّاحُ.
لو أدركتَ من هو شعب الجبارين لما نطقت بها وأنت تحلق في سمائك وتزايد في ريائك،، أيها المقاول السخيف..
لو أبصرت عمق كنوز التاريخ والحضارة للشعب الذي لا يقهر وثقلهما ومكانتهما لما استللت لسانك على الهواء لتعلن لهوًا ما تشاء،
لو شهدت يوم الإسراء والمعراج في جنوب الصمود حين عبر أسياد الأرض صوب البيوت المدمرة بسلاحك والقرى البهية وكسروا حصارك مبتهجين مستبشرين ومبشرين،
لو رأيت الزحف المقدس لشعب الله المختار نحو شمال لم يعد فيه من مأوى وحياة إلا بقايا البيوت وقطرات ماء وخارطة دم الأحبة ولعب أطفال المدينة المعجزة،
لو حدَّقت من الجو في صورة حجِّ الكرام إلى الشمال والسير على الأقدام للشيب والشباب، والنساء والأطفال كالسهام، لو بصَّرت في الإصرار وهو يدفعهم أمامًا ويوحِّدهم دوامًا، وفرح الرجوع إلى أرضٍ لن يتركوها أبدًا، يتطاير من محياهم حمامًا.. ولو جمعت كل رسامي الأرض ليبدعوا مثلها صورة لبهتوا ودهشوا وخرُّوا خاشعين في حضرة ضياء وروعة زحامهم..
لو رأيت جمال بيت الشهيد، ابن الشهيد وأب الشهيد وجده شهيد والحفيد شهيد، توضبه الأيادي الذهبية لاستقبال الضيوف على بقاياه وضوء سماء غزة يملؤه ويلفه كقصر من الجنة،
لو لمحت تلك الجنوبية المنتصبة أمام دبابة مرتعشة وهي تصرخ: “صَوِّب في الصدر، بيوتنا ولن نتخلى عنها” فداء الجنوب الأغر، فداء الشهيد، فداء الوليد، فداء الجريح، فداء الشجر، فداء الحجر، فداء كل قطرة عرق ودم سقته فداء جمال خيرة شباب قرى لن تعرف هندستها وعبقريتها أبدًا..
لو نظرت للشيخ الحامل حفيده المعصب وكلمة شهيد مرسومة على عصابته، وهو يخطو إلى الشمال كما لو كان الطريق مفتوحًا لمسرى نحو الجنة..
لو شاهدت يد الشهيد الطالعة من عمق ركام البيت بشَارةِ وبِشارة النصر، والأخرى قابضة على السلاح بعد صعود الروح إلى السماء،،
لو رأيت الطفل الذي يحمل قطة من بين الأنقاض، هي ما تبقى من سلسلة الأهل والأحبة فيعانقها وتعانقه حبًا مشعًا كالنجوم الفاقعة للغيوم،
لو شاهدت حفلات أطفال غزة وأناشيدهم تتسلق السماء ورقصهم يعاند موج البحر وهولك يمطر نارًا ودمارًا على بيوتهم فلا يعبؤون، ويغنون ويغنون تمجيدًا لغزة وللحياة،،
لو حضرت خروج الأسرى والأسيرات ووعدهم بالعودة للسلاح والكفاح من أجلها، ومن غيرها، فلسطين أرض الأنبياء والصديقين والشهداء،
لو لمحت المفتاح بيد الشيوخ والعجائز تتسلمه يد من يد ليد، على طول الزمن والأرض بيقين العودة المقدسة،
لو عرفت أن الفلسطيني الموزّع بين مدن الأرض في محنة التهجير القاهر، ينتظر مع كل نفس ويتوثب للعودة لدياره وبناء الخيمة الفلسطينية على أرضه الفلسطينية،
لو تمعنت في وجوه العائدين من الموت وقرأت خطوطها لعرفت مسارهم وفهمت عزمهم وقرارهم،
لو شاهدت قادتنا الشهداء القديسين، يتقدمون الساحة ويحملون أرواحهم فداءً فيُقتَلون مقبلين مشتبكين كعمالقة ويولدون في قادة قادمين لا نعلمهم ولن تعلمهم، نبعهم باقٍ لا يجف على مرِّ الدهور والحروب، وأنت هناك في رحلة قصيرة تلهو بالكلمات فلو علمت كنه الكلمات لما نطقت بها أيها التاجر البغيض،،
لو لمحت ابتسامة الشهيد السعيد جسده في الأرض المرتوية بدمه والحبلى بوعده ويده معانقة سلاحه وفي القلب آية: “لن تسقط لنا راية”..
لو رأيت العناد في وجه أسيراتنا أمام قضاء الكيان الطارئ على أرضنا الشهيدة، رغم القيد والتعذيب، والرأس عالٍ والصوت لا يبالي بسلاح القتلة،،
لو استمعت إلى زغاريد أمهاتنا في تشييع فلذات الكبد وأنصتَ لوعدهم بمزيد الحمل والطلق والولادة من أجلها ومن غيرها، عكا ويافا وحيفا وبيت لحم والناصرة واللد والجليل ونابلس والخليل والقدس ورام الله وغزة العزة،، المدن المعجزة..
على أرضها ما يستحق الحياة، بل أرضها سرّ الوجود والحياة، فاحمل نفسك وجندك وحديدك ومديدك وعديدك وعدوانك وطغيانك وتهديدك ووعيدك وارحل، ارحل، فلن يكون لك بقاء وليس لك غير الرحيل منفذًا ونجاة..
هند يحي-تونس