إذا أردت إفساد أي خطوة إصلاحية في لبنان، أعطها بُعداً مذهبياً.
هكذا تم إفساد كل خطوات الاصلاح، حتى بات التخلص من النظام الطائفي، هو العنوان الرئيس للإصلاح في لبنان، والذي من دونه لن يتجاوز البلد محنته، ومن الصعب أن يخرج من النفق المظلم، الذي بات اسمه ايضاً نفق الطائفية.
وعندما يجتمع التعصب المذهبي مع الفساد المالي، تصبح الكارثة مضاعفة، وإذا كان البعض يجادل في تعميم مقولة “ما جُمع مالٌ إلًا من شحٍّ أو حرام”، لكن الحقيقة تبقى أن هذه المقولة تصح في غالب الأحيان، وإن كان لا يمكن إنكار أن البعض جمع ثروته بجهده، لكن طبيعة النُظُم الرأسمالية، تقوم على الاستغلال والظلم، والطرق الملتوية في جمع المال.
وليس في لبنان فقط، بل في كل دول العالم، باتت قيمة أي شخص مرتبطة بملاءة جيوبه، فالثروة هي جواز سفر إلى الشهرة، وبطاقة ترشح إلى أعلى المناصب، والمال هو معيار الكفاءة الوحيد، ومقياس النجاح الأوحد.
لا قيمة لشهاداتك العلمية، وغالباً لا حاجة لها، في هذا المجتمع الحديث القائم على المادية المطلقة، فقد تجد شخصاً يحتاج إلى علمك وحكمتك، مقابل ملايين الأشخاص المحتاجين إلى أموالك، وهكذا يتحول المال إلى نفوذ، والنفوذ إلى سلطة.
قلة قليلة من الفقراء تستطيع كسر قاعدة “المال يساوي منصباً رفيعاً” وهؤلاء غالباً تضعهم الصدف في طريق السيل الجارف، الذي قد يسحقهم، أو يرفعهم إلى قمة، ما كانوا ليحلموا بالوصول إليها يوماً.
صحيح هذه حقيقة مؤلمة، لكن تبقى أنها الحقيقة، فلا تعجب إذا رأيت ممثلاً مهرجاً، أو تاجراً فاسداً، أصبح رئيساً للبلاد والعباد في غالبية دول هذا العالم.
وبالعودة إلى الحكومة الموعودة، علّق اللبنانيون آمالاً كبيرة على حكومة كفاءات، وأشخاص لا يشغل بالهم سوى الهم الوطني ومصلحة الشعب، ليتضح بعد وقت قصير، أنها ترزح تحت ضغط المحاصصة المذهبية، وسلطة المال المفسد للضمائر والعقول.
يصعب حتى على الزعماء الكبار مقاومة بريق الذهب، ورنين الدراهم خاصة في لبنان.
حسم رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، عدد الوزراء ب 24 وزيراً، وفصل النيابة عن الوزارة، وعدم توزير حزبيين، وربما هناك معيار آخر لم يُفصح عنه وهو أن يكون الوزير “خريج الجامعة الاميركية”، ومن غير الواضح ما إذا كان الرئيس المكلف، يعتقد أن وحدهم خريجي هذه الجامعة يتمتعون بكفاءة عالية، (بالرغم من التجارب الفاشلة، مع عدد كبير من خريجي هذه الجامعة في الحكم)، أم أن لبنان دخل العصر الأمريكي، وأصبح الولاء لأمريكا معياراً للتوزير.
كما أنه يصعب فهم معيار عدم توزير الحزبيين، وفي نفس الوقت الطلب من الاحزاب تسمية أشخاص محسوبين عليها!!!!
مع العلم أن مسألة وزراء تكنوقراط أو حزبيين في لبنان، تبقى موضع جدل، وترجح تجارب نجاح الحكومات، لمصلحة الحكومات السياسة، فالوزارة شأن سياسي قبل أن تكون عملاً إدارياً.
والأهم من ذلك، هو أنه ما أن بدأ الرئيس المكلف بتوزيع الحقائب على الكتل والمذاهب، وطلب من الاحزاب ترشيح أسماء للوزارات، حتى بدأت تصل إليه الأسماء، المرفقة بسِيَر ذاتية عنوانها “رجل أعمال ناجح” أي بمعنى لديه ثروة مالية كبيرة.
هذا المال هو جواز سفر المرشح إلى أي وزارة في الحكومة العتيدة، فالمال يجعله خبيراً في الطرق والصحة والبيئة والداخلية والعدل والعسكر والاتصالات والتربية وكل شيء.
ولن يسأله أحد من أين لك هذا؟؟؟
رحم الله المعلم كمال جنبلاط!!!
حتى أن أحد الاسماء الناجحة (وفق معيار الثروة)، والمطروح لانقاذ الاقتصاد اللبناني، هو صاحب نظرية عبقرية، تدعو إلى تصفير الودائع، وإعادة اطلاق القطاع المصرفي، وكأن شيئاً لم يكن، لا مخالفات لقانون النقد والتسليف، ولا إساءة ادارة الودائع من قبل البنوك، ولا تهريب أموال لجماعة النافذين!!!!
فالحل عبقري، حتى أنه يفوق بعبقريته طرح سعادة الشامي، سفير المصارف في حكومة ميقاتي.
صفر ودائع حل عبقري، لكن من غير الواضح حجم الذكاء والجهد الذي بذله صاحبه، للوصول إلى هذه الفكرة العبقرية، غير المسبوقة في التاريخ!!!!
عبقرية أم لصوصية؟؟؟!!!
المال!!! ما أجمل المال في عيون الجوعى إليه، فالمال يجلب المال، ويجلب المناصب، والمناصب تجلب المال والمزيد من المال، وهل خراب البلد سوى بالمال وعشاقه، والسماسرة والتجار الذين لم يتركوا شيئاً إلا واحتكروه وتاجروا به، حتى السياسة والناس، ويدّعون أنهم “رجال أعمال”؟؟؟!!!
وليس المال الفاسد، وحده يُفسد السياسة في لبنان، فالطامة الكبرى في هذا التعصب المذهبي، الذي يتكفل بإفساد وتعطيل كل شيء، من تشكيل الحكومات، إلى مشاريع الاصلاح، والانتخابات، والتعليم، والطبابة، وغير ذلك، فكل شيء بات طائفياً في لبنان، حتى الألوان أصبحت طائفية.
وطال الاحتكار كل الالوان والشعارات، فالسيادة والوطنية، والمقاومة، والتحرير، والحرية، والديمقراطية، والوعي، والثقافة، والكفاءة، والحضارة والعمالة، والتبعية، وو…. كلها محتكرة، ولدى البعض وكالة حصرية بها، ويصل الاحتكار والوكالات الحصرية في لبنان، إلى أواني الطعام، وربما أكثر.
وفق علم الكيمياء، إذا أعدنا التجربة بنفس العناصر وفي نفس الظروف مئات المرات، ستكون النتيجة ذاتها ولن تتبدل.
كان الله في عون لبنان وشعبه، ونتمنى أن يعين الله الرئيس سلام، على تأليف حكومة عباقرة، دون أن ينسى طبعاً (عباقرة الأمريكية، وبورجوازية المصارف والمال، فعباقرة اللبنانية وغيرها من جامعات، لا حاجة للحكومة بهم) .
بقلم الجنيرال اكرم كمال سريوي